الترفيه وما أدراك ما الترفيه.. مصطلح جديد لم تألفه آذان السعوديين، ويعتبر شيئا طارئا على حياتهم في بلدهم، لم يتعودوا على ممارسته كبقية خلق الله، وأكثر من كاد أن يفوته قطار الترفيه هم فئة المخضرمين من امثالي، الذين عاشوا في الزمن الجميل، وانحرموا اطفالا وكبارا من الترفيه، لذلك ما أن سمع السعوديون بقرار «إنشاء هيئة عامة للترفيه» الذي أعلن السبت الماضي، إلا وسرعان ما تفاعلوا معه بتلقائية، واستقبلوه باحتفالية عفوية على طريقتهم، وتتساءل لماذا انجرف السعوديون خلف قرار الترفيه دون غيره من القرارات رغم أن في القرارات الملكية ما يلفت الانتباه بقوة، ويستحق الاهتمام أكثر من جزئية الترفيه، فهناك اختفاء كامل لوزارات واستحداث لأخرى ودمج لبعضها، والأهم وما يستحق التوقف عنده، هو قرار الغاء وزارة البترول واعفاء وزيرها، فهو أمر مفاجئ ولا يخطر ببال، يعني الدولة البترولية الأولى، هي الآن بدون وزارة بترول ولا حتى هيئة، والحقيقة لا أجد جوابا ولا تفسيرا لهذا التوافق التلقائي وانصراف الناس للاحتفاء بقرار«إنشاء هيئة عامة للترفيه» وإهمال غيره، الا أن القرار لامس جوع السعوديين وحاجة نفوسهم المتعطشة للترفيه، وشعروا مع القرار بنهاية حرمان السنين المتراكم، وكأن فرصة لاحت لتعويض ما فات!! كثير من الناس لديه فكر مشوش؛ فهو يصور الترفيه بطريقة منفرة، فلا وجود للترفيه في مخيلته إلا بالخروج عن دائرة الاخلاق وما هو مشروع الى آخر تصوراته الخاطئة، وهو ربط غريب فيبدو ان اصحاب هذه الرؤية السلبية، نسوا أن الترفيه شيء نفسي موجود في عمق الانسان منذ صغره لا يمكن تجاهله، فضلا عن انه جزئية دينية وممارسة شرعية، من باب (ساعة وساعة)، فللبدن حق على صاحبه، فنحن كبشر حاجتنا للترفيه كبيرة، فهو ضرورة انسانية وفطرية حتى لا تكل النفوس كلما حاصرتها الدنيا بعنائها واقلقتها الحياة بتوتراتها وضغوطها النفسية وروتينها الممل، لذلك الترفيه أصبح مطلبا اجتماعيا لمحاصرة الكآبة في حياتنا، ايضا دوره محسوس في استقرار الأسرة والعكس صحيح، فانعدام الترفيه يحدث فراغا يتسلل منه الاشرار، وهذا له علاقة ما بانحراف الشباب الخلقي والفكري، ونحن لسنا بدعاً من المجتمعات من حولنا، فالترفيه جزء من حياة افرادها، فما المانع من اشباع أمر فطري بترويح وترفيه نُظهر به الفسحة في ديننا، ونُفصّله على مقاس يناسب قيمنا، ولا يخرج عن مساحة الحلال الواسعة؟؟ الظروف مواتية لنجاح هيئة الترفيه، متى ما استغلت عوامل النجاح، وهي متوافرة في ما حبانا الله به في وطننا الشاسع، من تنوع جغرافي ومناخي وثقافي، فمتى كان لديها القدرة في توظيف هذه المعطيات لصالح الترفيه، أجزم أنها ستشكل لنا لوحة فسيفسائية ترفيهية، وستخلق بيئة ترويحية غير عادية، وسيصبح الترفيه صناعة مزدهرة ومصدر دخل وطني اضافي، لذلك هيئة الترفيه امامها تحد واختبار حقيقي في مدى قدرتها لإبقاء مليارات الريالات مازال ينفقها السعوديون على سياحتهم خارج الوطن، فهل ستنجح الهيئة الجديدة في ابقائها داخل الوطن؟ بحيث تختفي ظاهرة النزوح الجماعي المستمر، فلن نرى في كل اجازة تكدس جحافل سيارات السياح السعوديين عند منافذ المغادرة، لاشك هيئة الترفيه ينتظرها عمل كبير، حتى تصنع بيئة ترفيهية مقنعة، وتتمكن من القضاء على جميع مبررات الهروب العائلي خارج الحدود، فهؤلاء يبحثون عن متعة وترفيه، كان من المفروض أن تتوفر داخل وطنهم، فأمانينا لا تُعّجز هيئة الترفيه، وهي لا تتجاوز توفير متنفس لائق، ومكان مريح وترفيه قليل التكاليف، فهل تستطيع الهيئة الناشئة توفير ذلك الحق البسيط؟!!