عقد وزراء المالية بدول المجلس اجتماعا لهم الأسبوع الماضي في الرياض، حيث تركز الاجتماع على مناقشة مواصلة تجسيد رؤية خادم الحرمين الشريفين بشأن تعزيز العمل الخليجي المشترك، والارتقاء بمستويات التعاون إلى مجالات أعلى وأوثق. ولا شك ان تحقيق هذا الهدف بحاجة للمزيد من الجهد والمثابرة، بل ويحتاج لطرق ومناهج عمل جديدة ترتقي إلى مستوى هذه الأهداف وبنفس الوقت قادرة على مجابهة التحديات الراهنة وخاصة انخفاض أسعار النفط وتأثيراته على نمو الاقتصاديات الخليجية والمواطن الخليجي نفسه. لذلك، فإن الاكتفاء بتنفيذ برامج التعاون والتكامل وحدها لا يكفي وإنما يجب أن يطال التعاون والإصلاح العديد من المجالات الأخرى بما في ذلك إنتاجية المواطن الخليجي والتنمية البشرية ودور القطاع الخاص وغيرها من المواضيع. لقد أظهرت خبرة الماضي القريب والبعيد أن أسعار النفط قد تتدهور دون سابق إنذار وحتى دون مقدمات اقتصادية سليمة وفي أي وقت. وهذا يلقي بظلال ثقيلة، كما هو حاصل حاليا، على تنفيذ برامج التنمية التي تتولى الميزانيات الحكومية دورا رئيسيا فيه. وإذا كانت مسؤوليات واضعي هذه الميزانيات قد انحصرت في السابق في رسم خارطة أوجه الإيراد والإنفاق الحكوميين بحسب أولويات معينة، فان مسؤولية مواجهة التحديات الناجمة عن ما آل إليه حال هذه الميزانيات يجب أن تتسع في الوقت الحاضر لتضم كافة شرائح المجتمع. لذلك، وفي ظل أوضاعنا الراهنة ونظرا لرغبة دول المجلس بالانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون، فإن المسؤولية لن تنحصر هنا في محاولة التغلب على الآثار السلبية الناجمة عن تراجع الإيرادات الحكومية في أية لحظة ومحاولة البحث عن مصادر لسد العجز كما يحدث في كل مرة، بل ان طبيعة التحديات الجديدة التي تواجه دول المجلس تستدعي أن تتسع تلك المسؤولية لتطال خطط وتوجهات التنمية والتكامل فيما بينها ككل. فالظرف الصعب الذي تمر به دول المنطقة - من حيث المناخات السياسية الإقليمية والعالمية وتشعب التحديات الاقتصادية العالمية - يمثل فرصة ملائمة لمراجعة تلك الخطط والتوجهات باتجاه تكريس قيم ومفاهيم جديدة للتنمية تمثل الحل الطويل الأمد لمعضلة تقلبات أسعار النفط ومن ثم إيراداته. إن تبني مفهوم «تعظيم إنتاجية الفرد» في المجتمعات الخليجية يمثل أحد المداخل الممكنة للحديث عن إستراتيجية تنموية طويلة الأمد تسهم بصورة كبيرة في الانتقال إلى مستويات جديدة من التكامل والتعاون الاقتصادي. وتبني هذا المفهوم - باعتقادنا - يجب ألا يكون على أساس اقتصادي أو تقني بحت، وإنما يجب أن يكون تبنيا شاملا لكل ما يتصل بالمفهوم من نواحٍ ثقافية واجتماعية واقتصادية. فعند القول ان المطلوب هو تعظيم إنتاجية الفرد، وتحويله إلى عنصر منتج إلى أقصى الحدود الممكنة، فان ذلك يستدعي مناقشة كيفية تحقيق هذا الهدف، ومعالجة نواحي القصور التي تحول دون تحقيقه وذلك من خلال تهيئة المستلزمات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في دفع إنتاج الفرد إلى أقصى الحدود الممكنة. وقبل عدة أسابيع ناقشت الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في اجتماعها هذا الموضوع، أي إنتاجية المواطن الخليجي وأسباب محدوديتها وسبل زيادتها، ونتطلع أن تخرج بالتوصيات الضرورية لمعالجتها. وإلى جانب ذلك، فإن الحديث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق والتكامل لابد أن يتناول النواحي الاقتصادية والمجتمعية الأخرى وخاصة فيما يتعلق بالتكامل الاقتصادي ودور القطاع الخاص، وبرامج الإصلاح الاقتصادي وتنمية الموارد البشرية ووضع الأهداف والسياسات والإجراءات الملائمة لتحقيق هذه الاستراتيجيات. فلابد من تسريع الخطوات لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وذلك من خلال الاهتمام بالبعد التكاملي في خطط وبرامج التنمية بدول مجلس التعاون مع التوسع في المشروعات الخليجية المشتركة مع السعي الجازم للالتزام بتوجيهات القادة الخليجيين باستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة خلال العام الجاري 2016. كذلك لابد من تبني برامج لزيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية سواء من خلال الاستثمارات الجديدة أو برامج الخصخصة مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية ودراسة التحديات التي تفرضها العولمة في مرحلة التطبيق المتزايد لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية كي تتعامل معها دول المجلس مجتمعة ككيان اقتصادي موحد، وكذلك التنسيق بين خطط التنمية في دول مجلس التعاون في ضوء خبرات التخطيط الماضية والمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية الجديدة. أما بالنسبة لبرامج الإصلاح المالي والاقتصادي، فإنها وفي ظل التحديات الراهنة التي تجابه دول المجلس يجب ان تستهدف مواجهة العجز المزمن في الموازنات العامة في دول المجلس بغض النظر عن الفائض المؤقت الذي قد يتحقق بين فترة وأخرى، الحرص على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاهتمام بالتطوير التقني كأحد أهم محاور السياسات الاقتصادية وتنسيق أسواق العمل بين دول مجلس التعاون بهدف معالجة مشكلة البطالة في دول المجلس وإحداث تغييرات ايجابية في التركيبة السكانية. كذلك، هناك ضرورة لإعطاء أهمية أكبر لبرامج تنمية الموارد البشرية كمحور رئيسي لمسيرة التنمية ورفع مستوى التعليم الأساسي ووضع سياسة سكانية واضحة تهدف إلى إيجاد توازن بين معدلات النمو الاقتصادي والسكاني بغرض رفع المستوى المعيشي للفرد وتحديد دور الحكومة في النشاط الاقتصادي وتطويره ليقتصر على دور الموجه الاستراتيجي وتوجيه الإنفاق العام تجاه تحقيق وتطوير الوظائف الأساسية للدولة وما يعجز القطاع الخاص عن القيام به أو لا يرغب في أدائه. إن مجلس التعاون الخليجي يشهد دون شك في الوقت الحاضر مرحلة جديدة في مسيرته التكاملية والتنموية وخصوصا بعد إصرار قادة التعاون على الدفع به نحو مرحلة جديدة وتطوير آليات التكامل والتعاون. وأمام التحديات الراهنة التي يواجهها المجلس والمتغيرات الخارجية، فقد أصبح من الضروري أن يكون هناك تصور شامل الإطار يجمع وينسق جهود وفعاليات مسيرة التكامل الاقتصادي في مختلف مجالاتها وأبعادها. تركز الاجتماع على مواصلة تعزيز العمل الخليجي المشترك