سلوكيات بعض المصلين عند قدومهم إلى بيوت الله تتناقض مع أبسط قيم القدسية والتوقير التي تستحقها تلك البيوت، التي ينبغي عمارتها بأفضل ما يمكن لمسلم أن يقوم به تجاه أجل المواطن التي يذكر فيها الله، وذلك يبدو واضحا في تصرفات تبدو في ظاهرها بسيطة ولكنها تعكس قدرا كبيرا من الإهمال وعدم توفر الخشوع والسكينة التي يجب أن يقدم بها الشخص إلى المسجد، وكأنه يلحق بأمر يرغب في انتهائه دون استيفاء حقوقه. الصلاة ليست تعبدا روتينيا يتم إنجازه أو اللحاق به كضرورة يومية، وإنما هي عبادة تتطلب نظاما ونظافة وحرصا واهتماما، لأن بيوت الله مسؤولية الجميع، ومن الأذى أن تلقى الأحذية بطريقة مربكة للقادمين للصلاة عند المداخل وعكس صورة غير لائقة عن أجل وأقدس الأماكن التي يفترض أن يحرص المسلم على نظامها ونظافتها والعناية بها. عن تلك الظاهرة وأبعادها الدينية والسلوكية يتحدث مصلون ومختصون بما يجب على كل مسلم أن يحذره وهو يأتي إلى بيوت الله بما يساعد على توقيرها واحترامها والمساهمة في نظامها والإقبال على الله بكامل الخشوع والطمأنينة وليس في عجلة يلقي معها الحذاء في أي موقع غير الموقع المخصص له، فذلك خطأ كبير يؤذي الآخرين ويقدم رسالة غير صحية عن السلوك الحقيقي للمسلم. معاناة من تراكم الأحذية يقول عادل الراجح: إن ظاهرة فوضى الأحذية تصادفنا خمس مرات يوميا عند بوابات المساجد وهي ليست جديدة علينا، فنحن نعاني من تراكمها أمام المسجد بشكل غير حضاري مما ينجم عنه ازدحام وتضايق شديد عند انتهاء الصلوات والخروج من المسجد، مع أنه توجد صناديق جهزت لذلك، ولكن للأسف لا يلتزم باستخدامها إلا القلة من المصلين. ويضيف الراجح: استغرب حقيقة من تصرفات المصلين التي لا تليق ببيوت الله واستشعار أهميتها وقدسيتها، لكن لا حياة لمن تنادي، إلا من رحمه الله، لذلك اقترح وضع فكرة ملصق كبير على الأرض فيه عبارة أو صورة تجعل من يشاهدها يخجل ويحترم قدسية المكان الذي يدخل إليه لأداء العبادة. ولكن نحتاج إلى عقول تدرك وتطبق هذه الجوانب البسيطة في حياتنا اليومية التي تجعلنا ننهض ونتقدم كثيرا، فما بالك بالأمور المهمة. سبب التدافع يقول المصلي مسيب المغربي: «تنتشر هذه الظاهرة بالذات في صلاتي المغرب والعشاء وكذلك صلاة الجمعة، والسبب يعود الى التدافع بعد الصلوات والخروج من المسجد وخاصة عند البحث عن موضع الحذاء، وقد لا يجده بسبب ذلك التدافع. وللأسف بعض المصلين لا يستغلون وجود مساحة خالية في المكان المخصص للأحذية وهذا يتطلب الوعي من قبل المصلين». ويتساءل المغربي.. لماذا لا تأخذ المساجد الجديدة في الحسبان عند تصميمها مسألة وضع أماكن مخصصة للأحذية، وخصوصا أن بعض المساجد التي تضع دواليب مخصصة للأحذية لا تستوعب الأحذية في بعض الأحيان؟ السلبيات كثيرة ويضيف عمر الخلفان: الواجب علينا احترام مساجد الله، وألا نتسبب في تشويه منظرها وروعتها بتراكم الأحذية بهذا الشكل المخزي. وألا يؤدي إلى نقل أوساخ الأحذية إلى داخل المسجد بسبب تكدسها أمام بواباته وانتشار الروائح الكريهة المؤذية عند دخول المسجد وغير ذلك من السلبيات الكثيرة، التي لا يراها الكثيرون، علما بأن المساجد تفرش غالبا بفرش نظيف، لذلك أحث إخواني المصلين على الاهتمام بهذا الأمر، لأنه سيسهم في بقاء المساجد نظيفة، ولا يؤدي إلى نقل أوساخ الأحذية إليها بسبب تكدسها أمام بواباتها. واعتقد أن سبب ذلك يعود الى عدم الوعي من قبل المصلين بأهمية وضع الأحذية في مكانها الصحيح. مشاهد العجاب يشير عبدالله الشايع إلى أنه في بعض الأحيان نجد أن هناك ازدحاما عند أماكن وضع الأحذية؛ لأن أحدهم مُصر على لبس الحذاء والمشي باتجاه المخرج في نفس الوقت، في مثل هذه المواقف تشاهد العجب العجاب من المصلين، ووضع الأحذية أمام بوابات المساجد ظاهرة ليس لها حل من وجهة نظري والسبب يعود الى أن كثيرا من المصلين لا يلتزمون بوضع الحذاء داخل المكان المخصص لها. ويضيف الشايع «أكثر ما يزعجني في هؤلاء هو انعدام فهمهم لهيكلية عمل الطابور، فهم بهذه التصرفات يؤخرون من وراءهم، وبالتالي يتسببون في ازدحام بوابات المسجد، ولا بد من التوعية بهذا الجانب بشكل مستمر؛ حتى يتعودوا على وضع الأحذية في الصناديق المخصصة لها، وكذلك لا ننسي دور وسائل الإعلام التي تقدم كل الحلول الممتازة، وسيكون لهذا الأمر تأثير إيجابي في المصلين. الاتقان والترتيب يقول عبدالله الشديدي: إن ما نراه من بعثرة وفوضى للأحذية أمام أبواب المساجد خُلق لا يناسب شريعتنا الإسلامية، فالدين رتب لنا أمورنا في شتى مجالات الحياة، في الاتقان والنظام، والفعل الصادر من كثير من المصلين له مسببات منها الإهمال وعدم مراعاة شعور من سيدخل بعده من الناس وعدم ترتيب رفوف المدخل ببعض المساجد إما أن تكون في وضع سيئ أو بعيدة وغير عملية أو لا تتناسب مع عدد المصلين. مساجد مثالية وفي السياق ذاته، يؤكد عبدالعزيز المالكي أنه مع الأسف نرى هناك عدم اهتمام من بعض المساجد بهذه الظاهرة السلبية أمام أبواب المساجد، ونتمنى أن نجد مساجدنا مثالية في تصميمها وترتيبها، بحيث يخصص مكان لحفظ الأحذية أو أن يكون هناك أشخاص تابعون للمسجد يتسلمونها ويضعونها في المكان المناسب لها بعد الصلاة ليتم تسليمها لأصحابها. مستمرون بالتوعية الأئمة معنيون بتوجيه المصلين إلى أفضل السلوكيات تجاه بيوت الله، وهم يجدون عنتا في التذكير المستمر وعدم الاستجابة المناسبة من جانب المصلين، إمام مسجد عماش الدوسري بالظهران راشد الدوسري يرى أن هذه الظاهرة مع الأسف مؤلمة، ويقول: «نحن كأئمة نعاني منها، فتراكم الأحذية بهذا الشكل يعود لاستعجال بعض المصلين في دخوله للمسجد للحاق بالركعة فيضع حذاءه كيفما شاء بشكل فوضوي وغير منطقي، والأفضل للمسلم إذا أتى للصلاة أن يأتيها بكل وقار وخشوع وسكينة، ويضع حذاءه بهدوء في رف الأحذية المخصص». وعن توعية المصلين بهذا السلوك، أفاد الدوسري بأنه حاول أكثر من مرة توعية المصلين بوضع أحذيتهم في مكانها الصحيح، ولكن لم يستجب له إلا القليل. والحمد الله نقوم بتوعية المصلين أكثر من مرة، ولكن يجب مراقبة النفس ومخافة الله، ومن جانبنا فإننا مستمرون في التوعية والنصح والتوجيه بهذا الجانب. فئة غالية علينا ظاهرة تكدس الأحذية ليست مؤذية في ظاهرها وحسب، وإنما لها أذى مادي آخر في تعطيل دخول بعض الشرائح التي تجد صعوبة في الحركة بحسب ما يؤكده مدير العلاقات في جمعية خيرية في الحزام الذهبي طلال العمري، عن تكدس أحذية المصلين أمام باب المسجد في كل مرة يذهب للصلاة، ويقول: أتأسف على حالنا كمسلمين حينما نهمل أبسط الأشياء من حولنا ولا نجد لها تنظيما ولا ترتيبا، ورغم ذلك لا يوجد مبرر ما يجعل الكثير من المصلين لا يحرصون على وضع أحذيتهم في مكانها المخصص، وقد تسبب عائقا أمام الآخرين مثل فئة غالية علينا وهي فئة المعاقين الذين لا يستطيعون دخول المساجد بسبب تراكم الأحذية عند الأبواب مما يسبب لهم العبء، والسبب يعود لقلة الثقافة وضعف التوعية وعدم مبالاة وعدم الاهتمام من قبل المصلين، فهذه الرفوف، والصناديق وضعت لتسهيل عملية الخروج من المسجد بطريقه راقية، لذلك أتمنى من أئمة المساجد مواصلة الحديث عن هذا الجانب. احذر أن تؤذي أخاك تكديس الأحذية ظاهرة غير لائقة، ينبغي ألا تحتاج الى كثير توعية وتوجيه مصلين يقبلون الى بيوت الله بكامل خشوعهم وسكينتهم، مع الحرص على نظافتها واحترامها بما يجب، ويرى مشرف التوجيه والإرشاد بإدارة التعليم بالدمام عادل عبدالقادر، أن أجمل شيء في حياة الإنسان هو أن تحس بما يحب الاخرون وما يكرهون، فادفع بالذي يحبون واحذر أن تأتي بما يكرهون، أما المساجد ومداخلها فحدث ولا حرج، فقد دخلت يوما من الأيام بمسجد فلم أر حذاء واحدا في المدخل، فنظرت فإذا برجل مع طفله يعلمه مكان وضع الأحذية، فقلت هذا المشهد قد أجاب على تساؤلي، نعم إنها تربية وإحساس بالجمال والتنظيم والنظافة، وفي موقع آخر مضاد للأول تعثر رجل كبير في السن بحذاء أحد المصلين فسقط وأغمي عليه بل وذهبوا به الى المستشفى متأثرا بإصابة شديدة، فهل نعي هذه الدروس ونتقلب في نعيم الجنة بإماطة الأذى عن الطريق، وبيوت الله نتعبد فيها لله فلا نؤذي عباد الله (أخي المسلم احذر أن تؤذي أخاك المسلم، وضع الحذاء في مكانه) ويضيف عبد القادر «دور الإمام النصح والتوجيه للمصلين مع توفر أرفف مخصصة لذلك، والحد من الظاهرة يأتي مع استمرار التوجيه والارشاد والمتابعة للمخالفين ونصحهم بالحسنى، كما أن المسئولية أيضا على الجميع أمام أهل الحي والمجتمع، فمثل هذه الحملة قد تخلق وعيا عند الناس». افتقاد للخبرة العبث بالجانب الإنشائي لمدخل المسجد سلوك سلبي لا يليق باحترام بيوت الله التي يجب أن تحظى بكامل العناية والاهتمام والنظافة تقديرا لحرمة وقدسية بيوت الله، وذلك ما يتناوله مهندس المشاريع هاني الألفي، بقوله إن بعض التصاميم الحالية للمساجد يتم فيها استخدام معايير قديمة تفتقر للخبرة في التصميم فنجد رفوف الأحذية وتصميمها لا يتماشى مع التصميم المعماري الحديث للمساجد، بحيث يجب أن يتيح تصميم الرفوف بالطريقة الجديدة للمصلين إمكانية وضع أحذيتهم فيها والوصول إليها بمنتهى السهولة. ويشير الألفي إلى أن توزيع رفوف الأحذية يكون على طول الأماكن الفاصلة بين المنطقة المستخدمة والمنطقة غير المستخدمة لتجنب الازدحام عند خروج المصلين عقب انتهاء الصلاة، علما بأن أفضل مقاس لتصميم الرفوف وصناديق الأحذية أن يكون الحد الأقصى لارتفاع هذه الرفوف 1.8 متر، وحبذا توفير رفوف للأحذية مزودة بالقفل، فهذا سيتيح للمصلين الحصول على أحذيتهم بكل يسر وسهولة. التحدث مع النفس ظاهرة إهمال ترتيب وتنظيم الأحذية عند أبواب المساجد لها جانبها النفسي أيضا والذي يشرحه المستشار الأسري في التنمية الأسرية الدكتور ممدوح الدوسري، من خلال رؤيته بأن ظاهرة تكدس الأحذية أمام المساجد، أمر محزن مخالف لما تعلمناه من تعليمات الشريعة الإسلامية وهدي رسول الله «صلى الله عليه وسلم» باحترام بيوت الله، ولها مكانة عظيمة في قلوب المسلمين جميعا، ويجب أن يتحلى بها المسلم تجاه المساجد، التي تختلف عن أي مكان آخر، إذ يعتبر المسجد مكان عبادة ورسالته معروفة للجميع روحانية وارشادية وتربوية، والمساجد بيوت الله تتطلب الوقوف من جميع المصلين وعدم تكدس الأحذية أمام بيوت الله وان يكون المسلم القدوة. ويرى الدوسري أن الاقتناع الذاتي هو أن يصل الفرد إلى درجة من الوعي تجعله يقتنع بضرورة السلوك الحضاري، أي أنه لا يشعر أنه يقوم بذلك السلوك غصبا عنه، فتلبية حاجات الفرد الضرورية التي تسمح له بأن يكون فعالا في المجتمع واحترامه كإنسان احتراما يجعله مبدعا، وأن يسعى الإنسان جاهدا ليقنع نفسه وأنه يعمل ويترك مراعيا بذلك النصوص الشرعية، والاهتمام بالجدية التامة في مخاطبة الشعور، والتحدث مع النفس دائما حتى نصل إلى نتيجة فاعلة تخدم مصالح الفرد والمجتمع في آن واحد، ومسألة الاقتناع الذاتي من أهم المسائل التي تختصر الزمن والوقت، ونعلم أن طرق ووسائل الاقتناع كثيرة ومتعددة والمطلوب هو البدء في طرحها وتطبيقها على أرض الواقع. عدم وضع الأحذية في أماكنها المخصصة سلوك غير صحي