يمضى المواطن أيمن صلوحة (48 عاماً)، كما يقول لمراسل «اليوم»، معظم وقته متابعاً للأخبار عله يحصل منها على نبأ يعيد شيئا مما تبقى من حلمه في إعمار منزل عائلته، الذي هدمته إسرائيل قبل ساعة من بدء سريان اتفاق وقف اطلاق النار بينها وبين المقاومة الفلسطينية برعاية القاهرة. وكانت إسرائيل شنت حرباً في الثامن من يوليو من العام 2014 ضد قطاع غزة سمتها «الجرف الصامد»، واستمرت ل51 يوماً، قتلت خلالها ما يزيد على ألفي فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وأصابت ما يزيد على 11 ألفا آخرين. وتسببت تلك الحرب في تدمير 100 ألف منزل ومنشأة بشكل كلي وجزئي، وقرابة 5000 منشأة اقتصادية تعرضت للتدمير الكلي والجزئي، منها نحو 550 منشأة اقتصادية سويت بالأرض، وفق أرقام صادرة عن الأممالمتحدة، ووزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية. توقفت الحرب في 26 أغسطس 2014 بإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة ابتداء من الساعة السابعة مساء من ذات اليوم، فيما أوضحت حركة حماس أن الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة وقع على اتفاق ينهي العدوان الإسرائيلي وفق المبادرة التي قدمها الجانب المصري. صلوحة الذي كان يعيش في شارع النزاز بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، شهد «مجزرة الفجر» في العشرين من يوليو 2014، والتي كانت واحدة من أبرز المجازر التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون ضد سكان قطاع غزة، حين قصفوا عشوائيا الحي وقتلوا عائلات بكاملها، وتركوا دمارا هائلا اكتشف أبعاده خلال ساعات الهدنة الأولى. ويقول صلوحة إنه منذ «مجزرة الفجر» نزح هو وأفراد عائلته إلى خارج الحي، وأصبح يتواصل مع بعض جيرانه الذين عادوا إلى منزله بعد أيام من المجزة، وأضاف: «كنت خائفا جداً بأن أعود لمنزلي لأن ما عشته وأفراد عائلتي كان صعباً جداً ولم أكن أرغب أن يتكرر خاصة وأن الجيش الإسرائيلي لا يعرف الرحمة ولا يلتزم بأي اتفاق». واستكمل متابعاً: «بقيت عند أحد أقربائي حتى سمعنا أن اتفاق التهدئة أوشك على الانتهاء، وفي اللحظة التي كنت أجهز فيها نفسي وعائلتي للعودة إلى منزلنا أخبرني أحد الجيران في اتصال هاتفي بأن المنزل قصف، بعدد من الصواريخ وأصبح مساويا بالأرض، فأصبت بالصدمة وشكرت الله»، موضحاً أنه من ذلك الوقت وحتى الآن ينتظر فرج إعادة الإعمار. ويعيش معظم الفلسطينيين المتضررين من الحرب الإسرائيلية في خيام قرب منازلهم المدمرة، أو في كرفان حديدي كبيوت مؤقتة، لحين البدء في إعادة بناء منازلهم. يقول صلوحة صاحب المنزل المكون من ست شقق يعيش فيه هو وأفراد عائلته وإخوانه الخمسة المتزوجون: «حصلنا على المنحة الكويتية لإعمار منزلنا ووقعنا عليها ولكن لم نستلمها (يقصد وقعوا على الأورق ولكن لم يستلموا الأموال لمباشرة البناء) بعد عام ونصف من المعاناة في تجهيز خرائط بناء المنزل وتسديد كافة المستحقات والرسوم اللازمة للبلدية، بجانب معاناة التنقل بين البيوت المستأجرة، إضافة لمعاناة استخراج الأورق الرسمية التي تثبت ملكيتنا للمنزل خاصة وأن تلك الأورق دفنت تحت ركام المنزل، الذي تمكن قبل أسابيع من إزالته تمهيداً لبدء إعادة بنائه». ولفت خلال حديثه إلى أنه بدأ مرحلة جديدة فى المعاناة، بعد التوقيع على المنحة قائلاً: «نحن الآن نعيش على أعصابنا، وكل لحظة نسمع خبرا يختلف عن الاخر، فمرة نسمع أن المنحة الكويتية فيها مشاكل ومرة نسمع أن أموالها لم تصل، ومرة نسمع أن غدا سنستلمها ولا يحدث، وأنا كل ما يعنيني هو بناء منزلي لأني غير قادر حالياً على الاستمرار بدفع ايجار المنزل الذي اعيش فيه في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي اعيشه خاصة وأني عاطل عن العمل». ويقدر عدد العاطلين عن العمل في القطاع ب193 ألف فلسطيني، بنسبة بطالة تبلغ 42٪، وذلك بسب عدم معاودة عجلة الإنتاج دورانها نتيجة لاستمرار القيود الإسرائيلية على دخول المواد الخام والسلع اللازمة لاستئناف عمل المنشآت الاقتصادية، إضافة إلى العراقيل المفروضة على إعادة الإعمار، بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني. وأوضح صلوحة أنه غير متأمل أن تشهد الأيام المقبلة أي تقدم فى عملية إعمار منزله لعدة أسباب أبرزها كما يقول: «أول حاجة لا اعلم متى سأحصل على أموال المنحة، والثانية إذا حصلت عليها فلا يوجد اسمنت وإسرائيل تمنع دخوله، اتوقع ان يمر هذا العام وأنا لا ازال أحلم ببناء منزلي»، وأضاف: «يجب على الكل الفلسطيني أن يتحمل مسئولياته تجاهنا، وأيضا المجتمع الدولي مطالب بالضغط على الاحتلال لإدخال مواد البناء والاسمنت تحديداً». وتعمل إسرائيل حالياً على تأخير عملية إعادة إعمار القطاع، من خلال منعها إدخال مواد البناء وخاصة الاسمنت، وتتحجج بأن تلك المواد تستخدمها المقاومة الفلسطينية في بناء منظومة الانفاق الهجومية تحت الأرض، وفي وقت حذرت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، سلطات الاحتلال الإسرائيلية من مغبة الاستمرار في منع إدخال الإسمنت إلى القطاع، ودعت حماس في تصريح لها على لسان المتحدث باسمها، سامي أبو زهري، حصلت «اليوم» على نسخة منه، كافة الأطراف إلى تحمل مسؤولياتها إزاء تعطّل عملية إعادة الإعمار. وقال: «تحذر حماس من التشديد المستمر للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي كان آخر أمثلته منع دخول الأسمنت واستمرار سياسة الخنق والإغلاق ومحاولة شل كل أوجه الحياة في القطاع». وتهدف إسرائيل من وراء تأخير عملية الإعمار لتقطيع العلاقات الاجتماعية بين العائلات المتضررة والمقاومة بهدف ضرب الجبهة الفلسطينية الداخلية، ويرى المتضررون أنه من الصعب أن يحدث. وشكل إقحام ملف الإعمار داخل دائرة الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس معيقاً آخر ساهم بجانب عدم التزام الدول المانحة بتقديم الأموال في تأخير عملية البناء. وحتى مطلع العام الجاري، بلغت نسبة الأموال التي وصلت لإعادة إعمار قطاع غزة 30٪ من إجمالي ما تعهد به المانحون خلال مؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة، وفق تصريحات المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، مطلع الشهر. وشهدت القاهرة في أكتوبر قبل الماضي مؤتمرا لإعادة اعمار القطاع على مستوى وزراء الخارجية بمشاركة أكثر من 60 دولة، و18 منظمة إقليمية وعالمية إلى جانب بعض مؤسسات التمويل الدولية، وجمعت أموالا قدرت بنحو 5.4 مليار دولار أمريكي لإعادة بناء قطاع غزة، فيما لا يزال القطاع بدون إعمار. وكانت الحكومة الفلسطينية قد رصدت 800 مليون دولار من الموازنة التطويرية للعام الماضي 2015 لأجل إعمار غزة، وصل فعلياً 8٪ فقط من إجمالي قيمة الموازنة التطويرية البالغة 1.150 مليار دولار، بقيمة لم تتجاوز 90 مليون دولار أمريكي، بحسب أرقام صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية. حال صلوحة ليس ببعيد عن حال آلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في خيام قرب بيوتهم المدمرة، ويؤكد الفلسطيني محمد سكر (35 عاماً) أنه لا يزال يعيش حلم إعادة بناء منزله المدمر، لكنه منذ أيام فقد الأمل بذلك. ويقول ل«اليوم»، لقد أوشكنا على دخول العام الثاني على الانتهاء من الحرب، ولم يحدث أي تطور في عملية الإعمار، وأضاف: «نحن فقدنا الثقة بالكل، واعتقد أنه لن يكون هناك إعمار طالما إسرائيل لا تريد ذلك». ويعلل سكر فقدانه الأمل بإعادة إعمار منزله بالقول: «المعطيات على الارض تؤكداً أنه لن يكون هناك إعمار قريب وعندما سمعنا في الإعلام أن عملية الإعمار ستستغرق 20 عاماً لم نصدق ذلك ولكن اليوم انا اصدق، خاصة وأني لم أر أيا من المسؤولين الفلسطينيين يمتلك جوابا حقيقيا بشأن موعد بناء منزلي، الكل يقول ننتظر أموال المانحين». ودعا مسؤولون فلسطينيون ودوليون، مطلع الشهر الحالي إلى تسريع عملية إعادة الإعمار، مؤكدين أن الوضع الإنساني في القطاع «مأساوي»، بسبب الحصار الإسرائيلي، وارتفاع أرقام البطالة والفقر إلى مستويات قياسية منذ انتهاء الحرب. جاء ذلك خلال مؤتمر عقده مجلس الوزراء الفلسطيني بمقره في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، للمانحين الدوليين، في خطوة قال إنها «تمثل مراجعة شاملة لعملية إعادة إعمار غزة». وشارك في المؤتمر رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله، وعدد من وزرائه، وسفراء عرب وأجانب، وممثلون عن البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، ومسؤولون دوليون. والمؤتمر الذي عقد في مقر مجلس الوزراء الفلسطيني، بمدينة رام الله، هو أول فعالية تعقدها الحكومة الفلسطينية منذ مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار غزة، الذي أقيم بالعاصمة المصرية في أكتوبر 2014. إعمار متعسر ويؤكد مراقبون فلسطينيون أن عملية الإعمار في قطاع غزة متعسرة، ولم تنطلق بشكل حقيقي. ويقول المراقب والخبير الاقتصادي د. ماهر الطباع إن «كل عمليات الإعمار التي جرت وأعلن عنها في قطاع غزة عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي، لا تعد إعمارا حقيقيا، خاصة وأن العملية متعسرة نتيجة الاجراءات الإسرائيلية المعقدة ورفض إدخال مواد البناء وخاصة الاسمنت». وأضاف ل «اليوم»: «حتى الان ما جرى من اعمار هو إصلاح لبعض البيوت المتضررة بشكل جزئي نتيجة الاستهداف الاسرائيلي، ولكن لا يوجد على الأرض أي عملية إعادة بناء كاملة لأي منزل، وإن وجد فهو قائم على جهود وتمويل ذاتي من صاحب ذات المنزل»، واستكمل: «حتى اللحظة هناك ركام لمنازل مدمرة لم تجر إزالته». واعتبر الطباع أن خطة روبرت سيري مبعوث عملية السلام في الشرق الأوسط، والتي تضمنت آلية رقابة وفق نظام حاسوبي يشرف على إدخال واستخدام جميع المواد اللازمة لإعادة إعمار غزة، ووقعت عليه ثلاثة أطراف (السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأممالمتحدة)، أحد أبرز معيقات عمليات الإعمار. ورأى أن الانطلاق الحقيقي لإعمار غزة يبدأ، عندما يتخلى المجتمع الدولي والجهات المانحة عن تقديم حلول «ترقيعية» للمشاكل التي أوجدها الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة. وقال: «يجب أن يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لكي ترفع الحصار عن القطاع عموماً وعن مواد البناء خصوصاً»، مضيفاً: «ما دخل من الاسمنت منذ انتهاء الحرب حتى نهاية مارس فقط 600 طن اسمنت وهو ما يعادل فى الوضع الطبيعي 25% من احتياجات القطاع». ولفت إلى أن التأخر في عملية إعادة الاعمار أدى إلى تداعيات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، مبيناً أنه في أكثر من مرة حذرت العديد من المؤسسات الدولية من تداعيات تأخر عملية الاعمار على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية. وذكر الطباع ومدير العلاقات العامة، في الغرفة التجارية الفلسطينية أن إعمار قطاع غزة يحتاج إلى إدخال 400 شاحنة يوميا من مواد البناء (الاسمنت والحديد والحصمة والزلط والبسكورس) بدون قيود إسرائيلية. وأوضح أن تلك الكميات لو انتظم دخولها بالشكل المطلوب فإن عملية الاعمار ستستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات. وكانت شركة «شيلتر كلوستر» التي تديرها وكالة الأممالمتحدة بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قالت عقب مشاركتها في تقييم عملية إعادة إعمار القطاع بعد انتهاء الحرب: «إن القطاع يحتاج عشرين عاما حتى يعاد بناء المنازل والبنايات التي دمرت أثناء الحرب». حلم الفلسطيني إعادة إعمار منزله المدمر الكيان الصهيوني يعمل على تأخير عملية إعادة الإعمار بالقطاع