تحلَّق المشاهدون حول الشاشة الفضية ليستمعوا إلى ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وهو يلقي الضوء حول رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030م.! هالنا ما رأيناه في شخص سموه، شخصية واضحة شفافة أدهشت الملايين، ظهر بصورة متفردة، رأيناه عن قرب واستمعنا لحديثه، لم نره في «بشت الرسمية»، تخلَّى عنه في اللقاء، كأنه أراد أن يختصر المسافة بينه وبين أخيه المواطن السعودي، كما وكانت بينه وبين المذيع المتألق تركي الدخيل مائدة صغيرة جداً لمزيد من التقارب الحواري ولمزيد من إلغاء المسافات الرسمية بين سموه والإعلام! أخذنا معه إلى المستقبل المشرق، وأزال عن أعين الكثيرين منا تلك الضبابية التي كانت تُخفي من ورائها تساؤلات ومخاوف كانوا يقرؤونها من مغردين ومغرضين ومتشككين، مخاوفهم تلاشت، وأحلامهم اتسعت دوائرها فحلقت فجأةً من الثرى إلى الثريا، فالبطالة ستقل نسبتها من 11% إلى 7%، والوظائف ستكون بإذن الله تعالى في متناول يد معظم شبابنا، والسياحة ستأخذ مكانها الطبيعي على أرض بلادنا الحبيبة بما يتفق وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وتقاليدنا وعاداتنا التي ما زلنا، ولله الحمد، نحرص عليها ضمن منظومة حياتنا اليومية نربي عليها أبناءنا، ونفطم عليها صغارنا، ما يناسبنا أخذناه، وما عدا ذلك فسيرفضه المجتمع كليةً. ونحن نستمع إلى سموه الكريم لم نجد ذاك التحفظ الشديد في انتقاء الجمل والعبارات الرسمية الدبلوماسية، ولم نجد في حديثه كلمات مطاطية ممكن أن تُفهم على أكثر من وجه، وتحتمل أكثر من تفسير، كلماته كانت واضحةً كوضوح الرؤية المستقبلية للمملكة. سموه لم يفصل المواطن عن دوره في هذه الرؤية، بل جعله لبنة أساسية في بناء الصرح القادم، فقد طلب منا أن لا نعيش أسطورة «النفط الخالد» وبأننا قد نهلك بدونه، فالنفط ليس شيئاً مقدساً فنحن نستطيع أن نعيش بدونه في عام 2020م، سموه كان صريحاً في حواره إلى أبعد ما كنا نتوقع عندما قال بثقة وحزم: لا يجوز أن يذهب دعم الطاقة والمياه إلى الأثرياء والأمراء، وفي هذه الإشارة التفاتة ذكية وحانية على ذوي الدخل المتوسط وما دونه، وفي الوقت نفسه حذَّر الأثرياء الذين سيعترضون على إعادة تعرفة الدعم بأنهم سيصطدمون مع الشارع، يقول الإمام علي رضي الله عنه: «ما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غني»! وفي موقف تجلت فيه صراحته في تقييم عمل الوزارات عندما ذكر سموه أن وزارة المياه فشلت في إعادة هيكلة دعم رسوم المياه فهو يشير- حفظه الله- إلى أن على الوزارات أن تتوقع تقييماً معلناً عنه، وعندما تفشل أي وزارة في تحقيق أهدافها فإن قلم القرار سيحمل توقيعاً سريعاً للإصلاح، أما البطاقة الخضراء فستتيح فرصة التعايش مع الطرف الآخر من العرب والمسلمين، وفيها دعوة أن ندرب أنفسنا من الآن لهذا التعايش بسلام ودون أي مشاكل، ومن دون أن نبقى منغلقين على أنفسنا، فالعالم بات على مقربة خطوة واحدة منا. في الختام: هذا اللقاء أتاح لنا فرصة التعرف على اثنين: الرؤية المستقبلية للسعودية الحبيبة، والثاني: التعرف على شخصية سموِّه عن قرب! يقول هنري ميلر: ليس على الحاكم الحقيقي أن يقود، عليه أن يشير إلى الطريق! وفي ظننا الذي لا يخطئ في حكمة ولاة أمورنا أن هذا ما فعله سموه الكريم، فقد أشار إلى الطريق الذي سنسلكه قريباً إن شاء الله.