أقر مجلس الوزراء أمس رؤية «المملكة 2030»، وطلب من الأجهزة الحكومية وضع الآليات والترتيبات الضرورية لإنجاز هذه الرؤية والتي سوف تأخذنا إلى مرحلة جديدة، هي مرحلة «الخروج من إدمان النفط» والاعتماد عليه بما يتطلب «إعادة اختراع عمل الحكومة»، يدعم ذلك توجه جديد في ذهنية الحكم يتطلع -وكما قال خادم الحرمين الشريفين- إلى أن تكون بلادنا نموذجا رائدا في التنمية المستدامة. الرؤية تستهدف استثمار إمكاناتنا الكبيرة عبر محاور ثلاثة هي المكانة الروحية والتاريخية للمملكة والمكانة الجغرافية، وأيضا القدرة المتوافرة للحكومة وللقطاع الخاص على إطلاق استثمارات كبرى محليا وإقليميا وعالميا، إنه استثمار لإمكاناتنا البشرية وثرواتنا الطبيعية، فكل إمكاناتنا جديرة أن تجعلنا ننعم سويا بخيرات بلادنا. الأمير محمد بن سلمان في حواره مع قناة «العربية» أمس أوضح أن هذه الرؤية تستهدف الانتهاء من إشكالية النفط التي تركت اقتصادنا يواجه المخاطر، لذا تتطلع الرؤية إلى إطلاق قوى المجتمع والقطاع الخاص والقطاع العام لتنمية الإيرادات المستدامة، فهذه الأساسيات تواجه العديد من المتغيرات والتحديات، والرؤية تستهدف «إعادة هندسة» أساسيات مجتمعنا عبر برامج ومبادرات لأجل أن تتحول بلادنا إلى حقبة «إنتاج الثروة» والخروج من مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للدخل، أو كما يقول الأمير محمد بن سلمان، الخروج من: «الإدمان على النفط»، وبالتالي الخروج من «الاقتصاد الريعي». رؤية «المملكة 2030» كما أشار الأمير محمد في حديثه تستهدف «تمكين» الدولة بمكوناتها الأساسية، تمكين المجتمع السعودي ليدخل بقوة إلى حقبة جديدة تتسم بالإبداع والإنتاجية، حقبة تليق ببلادنا، فما لدينا من إمكانات قادر على «ابتلاع المشاكل التي نواجهها» مثل الإسكان والبطالة. أعتقد أن الأمير محمد لم يتجاوز الواقع، هذا ما يقوله كل العارفين لإمكاناتنا. لقد أصبحنا نغرق في «شبر» من المشاكل! الرؤية الجديدة التي تحدث عنها الأمير محمد تهدف إلى تمكين الاقتصاد الوطني عبر تفعيل دور القطاع الخاص ودعم التنافسية والخصخصة، وتهدف أيضا إلى تمكين وتقوية الإدارة الحكومية عبر توسيع الشفافية والمساءلة وتحديد الأهداف التنفيذية ومتابعة الأداء. الرؤية تتطلع لاستثمار إمكاناتنا لرفع مستوى «الرفاه الاجتماعي» للشعب السعودي. الذي نرجوه من حقبة التحول الجديدة هو ولادة الإدارة الحكومية الحصيفة لنفقات الدولة حتى تكون ذكية في تقديم الدعم ليخدم القطاعات ذات الإنتاجية العالية، ويخدم أصحاب الدخل المتوسط والضعيف، وهذا ما أكد عليه الأمير محمد في حديثه. وأيضا مبادرة في تنمية مواردها، وتقوية الآليات الذكية التي تعزز النزاهة وتحارب الفساد، وتعمل على تنمية مستدامة للموارد البشرية في الدولة تركز على بناء الصف الثاني، وعبر آلية موضوعية لاختيار القيادات الحكومية من مستودع الكفاءات الوطنية المؤهلة. مما أشار إليه الأمير محمد أمس أن الرؤية تأخذنا إلى أمر ضروري لم نعهده وهو «التحليل المالي» لأداء القطاع العام، ولربحية ممتلكات الدولة، وربحية الصناديق المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية، فهذه بقيت لسنوات طويلة خارج اعتبارات التحليل المالي المحترف الذي يبحث في العوائد التي تجنيها الدولة من أصولها ومن برامج التمويل الواسعة للقطاع التجاري والصناعي. الأمير محمد بن سلمان في حديثه كان صريحا وواضحا وقدم «رؤية القائد». عرض أهداف الرؤية ومشروع الحكومة وأهدافها القريبة والبعيدة، وأبدى بكل وضوح إرادة الدولة لتحقيق الرؤية وحشد كل الطاقات لإنجازها. الأمير محمد في إجاباته كان مستحضرا كل المتطلبات الضرورية لبرنامج ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمير محمد بن نايف لبناء دولة مؤسسات قادرة على استيعاب التحديات التي تواجهنا الآن ومستقبلا. وكما هو في جميع اللقاءات التي جمعتنا به، الأمير محمد عندما تحدث عن التحديات كان مدركا أنها تحمل فرص وبذور الإصلاح والتطوير، وهذا «التفكير الإيجابي» يفرح وهو أحد المعالم الضرورية لإعادة اختراع الحكومة، ومن مؤشرات تطور ذهنية الحكم. من حقنا أن نفرح لمستقبل بلادنا، ومستقبل أبنائنا، ومن حقنا أيضا أن نحرص على نجاح مشروع التحول الحكومي. ما نحتاجه هو إطلاق مشروع وطني لإيصال هذه الرؤية إلى جميع المواطنين وإدخالها في برامج التعليم وضمن الأنشطة غير الصفية للطلاب في التعليم العام والعالي، وأيضا إبرازها في الأماكن العامة وفي المطارات وجميع الطرقات، يجب أن يعرف بها كل مواطن ومقيم حتى يكون الجميع جزءا من نجاحها.