يأتي قرار السياسة النقدية الأخير عن البنك المركزي الأوروبي في وقت يتسم بوجود توترات مع ألمانيا، أكبر مساهم فيه. وانتقادات ألمانيا للبنك المركزي الأوروبي ليست بالأمر الجديد، لكن حماس الهجمات الأخيرة يثير تساؤلا صعبا: ماذا سيحدث إذا خسر أهم الأعضاء المؤسسين في منطقة اليورو ثقته في بنكه المركزي المستقل، أو في مشروع العملة ككل؟ ليس بإمكان ألمانيا ولا البنك المركزي الأوروبي تحمل حدوث هذا. عندما اتهم مؤخرا وزير المالية الألماني وولفجانج شويبله السياسات النقدية للبنك المركزي الأوروبي في تسببها بتحقيق نصف المكاسب الانتخابية الأخيرة التي فاز بها الحزب الشعبوي المناهض للمهاجرين والمعادي لليورو، وهو حزب «البديل لألمانيا»، كان يعبر عن وجهة نظر عدد متزايد من الألمان. وقد أفاد آخر استبيان من مؤسسة يوروميتر بأن 52 بالمائة من الألمان لا يثقون في البنك المركزي الأوروبي، في حين أن هذه النسبة كانت 21 بالمائة قبل الأزمة المالية. إذا استمرهذا الاتجاه، من الصعب أن نرى اليورو يصل لشاطئ النجاة. كما انه من الصعب أيضا عدم التعاطف مع المواطن الألماني العادي. تعد أسعار الفائدة المنخفضة ظاهرة عالمية لا يمكن إلقاء اللوم فيها على البنك المركزي الأوروبي بالتسبب بها، لكنها أصابت ألمانيا بقوة خاصة. مدخرات الألمان الكبار في السن، باعتبارها نسبة مئوية من الدخل القابل للصرف، هي الآن أدنى بكثير من متوسط منطقة اليورو. كما أن الألمان كانوا يقومون أيضا بتقليص الرفع المالي باعتدال. وهم يمتلكون أقل المطلوبات في أوروبا وبالتالي لا يجنون نفس المنافع من أسعار اليوم من حيث مدفوعات الفائدة المنخفضة كجيرانها. علاوة على ذلك، تستثمر الأسر الألمانية بشكل أقل نسبيا في العقارات، حيث تكون الأسعار مدعومة من أسعار الفائدة المنخفضة، وبشكل أكثر نسبيا في الودائع المصرفية، التي لم تعد تحقق لهم أي عائدات مطلقا. لم يستفد معظم الألمان من أثر الثروة والدخل المتعلقة بتدابير البنك المركزي الأوروبي، بالتأكيد ليس بالمقارنة مع زملائهم الأوروبيين. لا يمكن لأي أحد اتهام ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، بالافتقار إلى الخيال أو الحماسة. وبعد مواجهته تقاعس الحكومات (مستويات متدنية من الاستثمارات العامة وارتفاع الديون) واتحاد نقدي غير مكتمل، أدى ذلك إلى أن يجعل البنك ضعيفا وغير قادر على العمل. ظهرت المشكلة عندما ضاعف البنك المركزي الأوروبي إجراءاته حتى عندما فشلت سياساته في تحقيق النتيجة المرغوبة. في هذه الأثناء، كان يُنتَقد مرارا وتكرارا من قبل أكبر مساهميه ومؤيديه، ما وفر الدعم لأكثر الأحزاب المناهضة للتكامل الأوروبي نجاحا في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية. حين وصف أموال المروحيات بأنها «مفهوم مثير جدا»، ربما كان دراجي يريد إظهار مرونته، لكن بالنسبة للألمان الذين لديهم ذكريات التضخم الجامح، أظهر تهوره. إذا أعلن كل من شويبله ودراجي عن هدنة جزئية، سيكون السبب هو أن كليهما سوف يخسر قدرا كبيرا. الدعم الشعبي الآخذ في التناقص قد يؤدي إلى حدوث تغيير ألماني رسمي في السياسة مقابل ما تعتبره بشكل متزايد عملة مدارة ضد مصلحتها الوطنية. من دون اليورو، يمكن أن يتعين على ألمانيا التي يقودها التصدير إلى التكيف مع المارك الألماني القوي مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تقييم للأصول الأجنبية، والقطاع المالي وقطاع الصناعة التحويلية. ربما يكون الطلاق أسوأ من الزواج السيئ. تعمل سياسات البنك المركزي الأوروبي على مفاقمة مشكلة كانت موجودة مسبقا، وهو ما أدى إلى استياء الناخبين الألمان، كما أن مغادرة منطقة اليورو ليس حلا أفضل. ولذلك، فإن الحل لا يكمن في البنك المركزي الأوروبي بل في الحكومات الوطنية التي يجب أن توافق على تعزيز الاستثمار في البلدان وعلى الصعيد الأوروبي. والقيام بهذا سوف يتطلب،على الأقل مؤقتا، اهتماما أقل بشأن العجز في الميزانية - وهو أمر تعارضه ألمانيا بصخب. من غير المرجح أن يغير البنك المركزي الأوروبي مساره. لكن ألمانيا خاطئة في إلقاء اللوم في مشاكلها على البنك المركزي الأوروبي، حيث إنه يجب على كل من ألمانيا وشركائها الأوروبيين القيام بالعمل الصعب بأنفسهم.