تقول: سمعتُ عن الطفل التوحدي ولم أكن أعرف الكثير عن مرض التوحد لسوء الحظ، وكان طفلي الأول في بداية عامه الثالث لاحظت بعض تصرفات تصدر منه فيها شيء من الغرابة، مثل صعوبة تواصله مع الآخرين، وخموله، كان قليل التفاعل مع المثيرات الحسية، وكثير التأمل، غافلا عن كل ما حوله وأحياناً كثير الحركة أو عدوانيا، يصرخ أحياناً بلا سبب معقول، فكانت صدمتي كبيرة عندما وجدت صفات الطفل التوحدي فيه بعد أن قرأت عن هذا المرض وتأثيره على حياة الطفل وبعد مراجعة الأطباء والمختصين الذين أرشدوني عن الصعوبات النفسية والعقلية التي يعاني منها طفل التوحد ودور المرض في نموه العقلي ووجهوني، قمت بتثقيف نفسي وفي الوقت ذاته ألحقته بمركز خاص بالتوحد لمساعدتي في اكتشاف قدراته وتنميتها لأجعل من ولدي شخصاً لا أقول عادياً وإنما شخص يستطيع أن يتعايش مع المجتمع. كانت صدمة بالفعل لأم تجهل الكثير عن مرض التوحد تقبلتها بعين الرضا صابرة فاستطاعت أن تتعامل مع طفلها بهدوء ووعي وبإيمان واثق بالرضا بأمر الله وبأنه سبحانه لا يجمع بين عسيرين. شاهدتُ بإعجاب شيئاً من تعاملها مع طفلها عند زيارتي لها مثل لا تطلب منه ما لا يفعل، ولا تؤنبه على ما لا يفعل، كما نفعل نحن مع أبنائنا حين يبدر منهم سلوك سلبي.. ألقى الطفل بالطعام الذي في يده فلم تزجره بل طلبت منه أن يضعه في صحنه، وعندما تصرف تصرفاً حسناً شكرته بابتسامة وحب. وفي موقف آخر حضرته كان حواراً بينهما، محادثة ودية أخرجته من ذاته المتقوقعة معبراً عن رأيه الخاص بثقة ومعنوية مرتفعة. ومواقف أخرى أعجبتني منها تمنيت أن كل أم لديها طفل توحدي أن تفعل ما تفعل هذه السيدة، خاصة أن من بين التوحديين ظهر عباقرة مصابون بالتوحد أو ما يسمى أسبرجر.. والتوحد درجات ومن العباقرة. ألبرت أينشتاين، العالم الذي طور النظرية النسبية؛ وكان شغله الشاغل هو الفيزياء. وإسحاق نيوتن، الذي صاغ قوانين الحركة وقانون الجذب أيضاً كان يعاني من صفات توحدية، فقد كان عكر المزاج، ولديه صعوبة في التواصل مع الآخرين. وبيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت وإمبراطور الكمبيوتر لا يزال حتى الآن يعاني من عارض أسبيرجر. ودانيال تامت، قادر على التحدث ب11 لغة مختلفة، يستطيع إجراء عمليات حسابية أسرع من الآلة الحاسبة بكثير، فضلًا عن تذكُره الآلاف من أرقام الهواتف. وتوماس أديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي له أكثر من 1093 براءة اختراع أخرى مسجلة منها الهاتف ومسجل الأصوات. الفضل يعود لأمه، لأن مدرسته عجزت عن فهمه فطردته، لكن السيدة ماري التي لم تيأس من ابنها قامت هذه الأم الذكية بتعليم ابنها بنفسها فكان لها الفضل بأن أتت للعالم بأعظم المخترعين في التاريخ. وهذا ما لمسته في الأم التي تكلمت عنها، رأيت فيها السيدة ماري والدة توماس أديسون التي سجلت لولدها تاريخاً عظيماً لإصرارها على فهمه لا على شفائه.