الأنباء بأن احتياطيات العملات الأجنبية في الصين ارتفعت بمقدار 10 مليارت دولار في شهر مارس بدلا من التراجع أسكتت المتشائمين. ويظهر أن مخاوف إمكانية تراجع الاحتياطيات إلى مستويات خطرة هذا الصيف - بعد تقلصها بمقدار يقدر بواحد تريليون دولار العام الماضي - كانت سابقة لأوانها. مع ذلك، تبقى الأسئلة حول الرقم الدقيق لمقدار المال الذي يغادر الصين ولماذا. قد لا تكون الصورة الحقيقية وردية كما توحي الأرقام الرئيسية. قبل الانتعاش الذي حصل في شهر مارس، كان رأس المال آخذا في التدفق خارج الصين بوتيرة سريعة - بمتوسط يبلغ 48 مليار دولار شهريا خلال الأشهر الستة الماضية، وفقا لبيانات البنوك الرسمية. كانت الاسباب متعددة. ولخوفها من المزيد من الانخفاضات في قيمة اليوان، قامت العديد من الشركات بتسديد قروضها الخاصة بالدولار، وتابعت الشركات الأخرى عمليات اقتناء كبرى في الخارج. بحث المستثمرون الأفراد عن عائدات أعلى في الوقت الذي كان فيه الاحتياطي الفيدرالي يستعد لرفع الأسعار. أنفقت الحكومة المليارات لدعم قيمة العملة. وقلصت بعض الشركات والأفراد من ودائعها الخارجية من اليوان. مع ذلك، تطلع الآخرون إلى إرسال المال خارج البلاد للاحتفاظ به في ملاذ آمن. السؤال هو كم مقدار المال الذي كان يغادر ولأي الأسباب. قال بعض المحللين، بمن فيهم خبراء الاقتصاد في بنك التسويات الدولية، إن الجزء الأكبر من تلك التدفقات سليم، وفي معظمه يشمل شركات تسدد ديونها الخارجية. مع ذلك، تركز دراسة بنك التسويات، التي تقدر بأن مثل هذه التسديدات كانت تمثل ما يقارب ربع التدفقات غير المحمية التي بلغت 163 مليار دولار في الفصل الثالث من عام 2015، على شريحة زمنية ضيقة جدا. توسعت التزامات الديون الخارجية بسرعة خلال أواخر عام 2014 والنصف الأول من عام 2015، ومن ثم تقلصت بشكل كبير خلال الفصل الثالث. علاوة على ذلك، ما يغيب عن تلك الأرقام الرسمية هو التدفقات المخفية، المتنكرة في المقام الأول كمدفوعات للواردات، التي تبدو أنها أسفرت عن حدوث عجز في الحساب الجاري بمقدار 71 مليار دولار في الفصل نفسه، وفقا لبيانات مدفوعات البنك. من الناحية العملية، أصحاب المشاريع الصينيون يبالغون بصورة هائلة في الدفع مقابل المنتجات التي يقومون باستيرادها. وأفاد مسؤولو الجمارك الصينيون عن واردات بقيمة 1.68 تريليون دولار العام الماضي. والمصارف، من ناحية أخرى، ادعت أنها دفعت 2.2 تريليون دولار مقابل تلك الواردات نفسها. في الوقت الذي يسجل فيه ميزان المدفوعات الرسمي فائضا في الحساب الجاري بمقدار331 مليار دولار في العام 2015، تبين مدفوعات ومقبوضات المصارف وجود عجز بمقدار 122 مليار دولار. تعد الزيادة في الدفع مقال السلع والخدمات المستوردة وسيلة ذكية لتقوم الشركات الصينية والمواطنون بنقل الأموال خارج البلاد خلسة. لنفترض أن صادرات البلد الأجنبي بلغت ما قيمته مليون دولار من البضائع إلى الصين. وسوف يسجل موظفو الجمارك الصينيون بكل إخلاص واردات بقيمة واحد مليون دولار. لكن عندما يذهب المستورد إلى البنك، فإنه إما أن يستخدم وثائق مزورة أو أن يقدم رشوة لمسؤول في المصرف ليسجل مدفوعات تبلغ مليوني دولار للطرف المقابل الأجنبي. من المفترض أن الفائض البالغة قيمته واحد مليون دولار ينتهي به الحال في حساب مصرفي خاص. في الوقت الذي من المتوقع فيه أن تحدث مثل هذه التناقضات في البيانات بهذا الشكل، تعني الزيادة المطردة وحجم الفجوة منذ عام 2012 أن هنالك شيئا ما خفيا يحدث. عندما تقوم الشركات الصينية بتسديد الديون، أو إجراء عمليات اقتناء كبرى في الخارج، تقوم بذلك علنا. وتبدو تلك التدفقات الأخرى - التي زادت على نصف تريليون دولار العام الماضي - من المرجح جدا أن تكون مدفوعة من قبل الأفراد والشركات التي تسعى بكل بساطة إلى إخراج أموالها خارج البلاد. كما أن التوقيت له دلالته أيضا. حيث بدأ التفاوت في التزايد بشكل سريع في العام 2012، عندما بلغ النمو ذروته وبدأت المخاوف في الارتفاع ما بين الصينيين الأثرياء حول الانتقال السياسي والاقتصادي. منذ ذلك الحين، نمت مدفوعات الواردات الوهمية من 140 مليار دولار إلى 524 مليار دولار في العام 2015. خلال تلك الفترة، تباطأ النمو في الصين، وتراجعت معدلات عائدات الاستثمار وانفجرت الطاقة الفائضة. تقلصت الفرص الاستثمارية، في الوقت الذي عملت فيه الشركات المملوكة للدولة على مزاحمة مستثمري القطاع الخاص. بالتأكيد، كان لدى هؤلاء المستثمرين أسباب قوية للسعي وراء عائدات أفضل في أماكن أخرى. في الوقت نفسه، أفرزت حملة الرئيس تشي جين بينج المناهضة للفساد عشرات الآلاف من مسؤولي الحزب. بطبيعة الحال، يبدي الصينيون من ميسوري الحال قلقهم إزاء وقوعهم في مصيدة حتى وإن كانوا بريئين. كما أنهم قلقون أيضا كغيرهم إزاء تعليم وصحة أطفالهم. إن الطلب على العقارات في الخارج - وفقا لإحدى الدراسات، يشمل ثلثي مبيعات المساكن باهظة الثمن في فانكوفر وجود مشترين صينيين - لا مجال أمامه سوى النمو فقط. إن تدقيق المدفوعات المصرفية بشكل أوثق وتشديد ضوابط رأس المال قد يساعد في تباطؤ التدفقات إلى الخارج. لكن مثلما اكتشف رجال الأعمال هذه القناة الجديدة لنقل الأموال إلى الخارج، فإن من شبه المؤكد أنهم سوف يعثرون على طرق خلاقة للالتفاف على أية قيود إضافية يجري فرضها. يتألم الاقتصاد الصيني جراء تعرضه لقدرة مفرطة بشكل ضخم، مع تباطؤ النمو وارتفاع المخاطر المالية. ولن يساعد الخفض في أسعار الفائدة ولا أي حزمة تحفيز أخرى في التخفيف من ذلك التشاؤم طويل الأجل. والإصلاح - بما في ذلك الإصلاح القانوني - ربما يساعد. إذا أراد زعماء الصين منع رأس المال من الخروج خارج البلاد، فإنه يتعين عليهم معالجة أسباب هذا الهروب، ليس فقط إقامة متاريس في طريقه.