في سعيها الدؤوب بحثا عن المجد والنفوذ العالمي، تبدو الصين كأنها قد حققت نصرا ملحوظا. تم تعميد الرنمينبي - «عملة الشعب»، التي تعرف أيضا باسم أكبر وحداتها، اليوان - كإحدى العملات الاحتياطية في العالم إلى جانب الدولار والجنيه الاسترليني واليورو والين. بالنسبة للذين يخشون (أو يأملون) بأن الصين سوف تعمل في النهاية على تغيير وجه النظام الاقتصادي لما بعد الحرب، يبدو أن ذلك كان خطوة أولى نحو إزاحة الدولار عن عرشه. مع ذلك، يعتبر قرار صندوق النقد الدولي مجرد مسرحية سياسية. حيث إن اليوان سوف يكون الآن ضمن سلة العملات التي تشكل ما يسمى بحقوق السحب الخاصة في الصندوق. كما يشير صندوق النقد الدولي ذاته: «لا تعتبر حقوق السحب الخاصة عملة، ولا حتى مطالَبة على صندوق النقد الدولي». يمتلك المساهمون ببساطة الحق في المطالبة بقيمة مكافئة في واحدة أو أكثر من عملات مكونات حقوق السحب الخاصة. ولن يكون المستثمرون والبنوك المركزية فجأة مطالَبين أو حتى متشجعين صراحة لاستخدام اليوان. في الواقع، كل ما تغير هو أنه بات من الواضح الآن أن صندوق النقد الدولي لا يحجب اليوان من أن يصبح عملة احتياطية عالمية حقيقية: بل إن الصين هي التي تقوم بذلك. على العكس من ذلك، يبدو صندوق النقد الدولي بأنه يفعل كل ما بوسعه لمساعدة الصين. من المفترض أن تكون عملات السحب الخاصة «قابلة للاستخدام بحرية»، والتي يُعرِّفها صندوق النقد الدولي على أنها «مستخدمة على نطاق واسع لتقديم المدفوعات للمعاملات الدولية» و «يتم تداولها على نطاق واسع في أسواق الصرف الرئيسية». يلاحظ أبطال اليوان أن العملة قد توسعت من كونها كانت تستخدم في أقل من واحد بالمائة من المدفوعات الدولية في أيلول (سبتمبر) من عام 2013 إلى 2.5 بالمائة في تشرين الأول (أكتوبر) - من بين العملات الخمس الأعلى على الصعيد العالمي. مع ذلك، يبالغ هذا المقياس البسيط بشكل هائل في نفوذ اليوان. على الصعيد العالمي، لا يزال بالكاد يستخدم أكثر من الدولارات الكندية والأسترالية. لم يقترح أي أحد أبدا إدراج الدولار الكندي في حقوق السحب الخاصة. صحيح، تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة تجارية فيه. لكن في الوقت نفسه، لا تزال أكثر من 70 بالمائة من المدفوعات المقدمة باليوان تدخل إلى هونج كونج، أساسا بسبب موقعها الاستراتيجي كمحور للشحن البحري والتجاري للبر الرئيسي الصيني. جميع خطابات الاعتماد المقومة باليوان ما عدا 2 بالمائة منها يتم إصدارها إلى هونج كونج وماكاو وسنغافورة وتايوان من أجل تسهيل التجارة مع الصين. حتى في آسيا، لا يتم قبول اليوان كرهن لتداول المشتقات المالية والمعاملات المالية المماثلة. بدلا من ذلك، يتم استخدامه تقريبا بشكل حصري للتداول في السلع المادية حيث تعتبر الصين إحدى دول الأطراف المقابلة. ولا يتم أيضا تداول العملة على نطاق واسع في الأسواق المالية. تمتلك هونج كونج، أكبر مركز لودائع اليوان خارج الصين، أقل من 900 مليار رينمينبي، أو حوالي 140 مليار دولار. وهذا أقل بحوالي 40 مليار دولار عن القيمة السوقية لشركة كوكا كولا (وبالكاد خمس قيمة شركة أبل). لا تزال مجمل ودائع اليوان الموجودة خارج الصين تمثل أقل من القيمة السوقية الرأسمالية لسوق الأوراق المالية التايلاندية. وهذا ليس نتيجة للتحيز ضد الصين، بل نتيجة للسياسة المتعمدة من الصين. لنأخذ الإحصائيات التي يستشهد بها كثيرا بأن 2 بالمائة من الاحتياطيات العالمية موجودة بالفعل بالرينمينبي. تقريبا، جميع احتياطيات اليوان يجري حيازتها بموجب اتفاقيات مبادلة مع بنك الشعب الصيني، وليست كعملة فعلية. وهذا يعني أن البنك المركزي في الصين يحافظ على سيطرته على العملة وتسعيرها وبإمكانه رفض المعاملات إذا لزم الأمر، كما فعل الأسبوع الماضي عندما طلب من البنوك إيقاف الإقراض بالرينمينبي في الخارج. في الوقت الذي يكون فيه للبنوك المركزية الأخرى نطاقا كبيرا للدخول في مشتريات الرينمينبي في الداخل، تواجه قيودا على استخدامها للعملة خارج الصين. في وقت سابق من هذا العام، سمحت الحكومة بمعاملات المقاصة للبنوك خارج الصين للدخول في اتفاقيات إعادة الشراء حيث توفر رصيدا لبنك الشعب الصيني لاقتراض اليوان. لكن كما أشار بنك بي إن بي باريباس، لا بد أن تستمر معاملات الرينمينبي في مناطق الأفشور من خلال مصارف المقاصة الصينية المملوكة للدولة، والتي تتخلى عن «بيانات قيمة والسيطرة على حركة المعاملات». كل هذا لا يكاد يفي بتعريف العملة الدولية «المستخدمة بحرية». يقول المتفائلون إن شمول اليوان في حقوق السحب الخاصة سوف يعطي دفعة للإصلاحيين الذين سيساعدون في انفتاح النظام المالي الصيني عبر الزمن. المشكلة هي أن هنالك القليل من الأدلة لدعم مثل هذا التفاؤل. على مدى العامين الماضيين، كان استخدام الرينمينبي في الأسواق المالية خارج الصين ثابتا. وفقا لبنك باركليز، تقلصت الديون الخارجية المقومة باليوان منذ منتصف العام الماضي، في الوقت الذي لم تتغير فيه كثيرا ودائع هونج كونج. المفارقة هي أن هناك طلبا هائلا على المزيد من عملة اليوان بين المستثمرين العالميين والبنوك المركزية. تشير تقديرات جولدمان ساكس إلى أن تريليون دولار من الاحتياطيات الدولية سوف تتدفق إلى أسواق السندات الصينية إذا قامت الصين فعلا بفتح الأسواق أمام المستثمرين الخارجيين. بالتالي طالما ظلت البنوك المركزية والمستثمرون يشعرون بالقلق حول ما إذا كان بإمكانهم البيع والشراء بالرنمينبي متى يريدون، فإن ختم الموافقة من صندوق النقد الدولي لن يجعل العملة جذابة أكثر من وضعها الحالي.