في أولى جلسات ملتقى «نرعاك» المقام بمركز الأمير سلطان «سايتك» بمدينة الخبر والذي يستضيف سنويا عددا من الشخصيات الاجتماعية والمختصة بالشأن الاجتماعي والسلوك الإنساني ودوره في المجتمع، أوضح الدكتور عبدالرحمن الهدلق المدير العام للإدارة العامة للأمن الفكري بوزارة الداخلية أن الفكرة الدارجة عن أن المتطرفين في الغالب يخرجون من بيئات فقيرة أمر غير دقيق وغير صحيح بل على العكس، لوحظ بالإحصائيات أن أغلب المتطرفين يخرجون من بيئات غنية ومتوسطة الدخل، وأن الدافع للتطرف ليس مبنيا على الحالة المادية السيئة بل يرتبط بالعوامل الفكرية الإيدلوجية التي تجيز أعمال العنف والتفجير التي تتبناها وتروج لها التنظيمات الإرهابية. شخصيا أتفق مع هذا التحليل القائل بأن غالبية المتطرفين من الطبقة الغنية أو المتوسطة، والسبب يعود في نظري إلى حالة الفراغ الذي يتوافر لأفراد تلك الطبقات في بعض الأحيان والذي يتم شغله في العادة بالترفيه وممارسة الهوايات المتنوعة، بعكس الفقير الذي يسعى دائما للحصول على لقمة عيشه ولا يجد وقتا ولا مالا للترفيه والمتعة. نعم ممكن أن يكون الفقر والبطالة أحد أسباب الانحراف الفكري والانخراط في أعمال الإرهاب ولكن لا يتم هذا إلا بتحريض من دعاة الإرهاب الذين يكونون في الغالب من الطبقتين الغنية أو المتوسطة. أحد أهم العوامل المساعدة على انخراط بعض الشباب في التنظيمات الإرهابية هو ما يمكن تسميته بتضييق دائرة الحلال والمباح في المجتمع، هناك من يعيش في دائرة اجتماعية متزمتة تمارس التدين بأعرافها الشخصية لا بحلال الله وحرامه فتراها تحرم وتجرم بعض المباحات التي لا تستسيغها طبيعتها العرفية والعكس أيضا يحصل بالنسبة لممارسة بعض المكروهات أو حتى المحرمات التي تتماشى مع العرف السائد في تلك الدائرة الاجتماعية، هذا النوع من التشدد يقود الفرد وخصوصا الشاب إلى طريق مسدودة دائما تتضارب مع نفسه وهواه وهو ما يجعل منه فردا متزمتا متطرفا، فهو عندما يرغب بشغل أوقات فراغه يرى دائرة كبيرة من المحرمات الوهمية تحيط به والتي لا يستطيع الدخول إليها، فيبدأ بالبحث عن البدائل المتاحة لتفريغ الطاقة الهائلة المكبوتة لديه، وهنا يبدأ عمل مديري التسويق في التنظيمات الإرهابية الذين يسمون الإرهاب والقتل والتدمير والاغتصاب جهادا في سبيل الله، ويصورون للشاب المتعطش صور الحور العين وجمالهن وأوصافهن بوصف دقيق للغاية يتعرض إلى أدق التفاصيل الخلقية فيهن وهو ما يؤجج غريزة الشاب الطبيعية التي تطمح إلى الحصول على هذه المتعة التي سوف تأتي عن طريق ما يظنه «جهادا» في سبيل الله! أولئك الدعاة معرفون لدى غالبية الناس فلا يخفى اليوم من هم وما مستوى معيشتهم، تراهم يستخدمون كل وسيلة إعلامية في سبيل التسويق لتنظيماتهم وأحزابهم وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمونها بشكل ذكي للغاية، فيظهرون من خلالها بالمظهر العصري الجميل الرقيق والشفاف، يظهرون بالمظهر الشبابي غير المتكلف لجذب الشباب والفتيات إليهم وإلى الأفكار التي يروجون إليها، ومن يتابع بعضهم على شبكات التواصل الاجتماعي سيرى كيف أنهم يتنقلون بين البلاد في رحلات «مدفوعة» لتوثيق رحلاتهم الدعوية بصورة عصرية جذابة مغرية تستبطن رسائل غير مباشرة لتمرير أجنداتهم وتسويق أفكارهم. الشباب في أي مجتمع يحتاج إلى تفريغ طاقته وخصوصا في أوقات الفراغ بالترفيه والاستمتاع وكلما ضاقت دائرة الترفيه اتسعت دائرة التزمت الذي يقود إلى العنف، ويجب ألا يطغى ذوق عرفي واحد على المجتمع طالما أن الخيارات الأخرى تقع ضمن دائرة المباح الكبيرة التي شرعها لنا الإسلام بمنهجه الأممي الوسطي المعتدل «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» ولكي لا يبقى المجال مفتوحا أمام مديري تسويق التنظيمات الإرهابية.