رغم مثل هذه الحالات من الغموض والشكوك، يعتبر البحث الجديد الأفضل والبحث المتاح الأكثر شمولا. والسؤال هو، ما الجديد هنا؟ لم تقل الحجة التقليدية أبدا إن التجارة الحرة تجعل الجميع أفضل حالا، ناهيك عن أنها تجعل الجميع أفضل حالا على الفور. دائما ما كان يعترف توافق الآراء بأنه قد يكون هنالك فائزون وخاسرون. (لماذا يمكن أن يظهر الطلب على وجود حواجز تجارية إذا لم تكن المنافسة من جانب الواردات مضرة لأي شخص؟). كانت الحجة دائما وأبدا هي أن التجارة الحرة تزيد من مستوى الدخل الحقيقي بشكل كلي- وأن المكاسب تفوق الخسائر. والبحث الجديد يبين أن هذا الادعاء سليم. إن قوة النتائج التي توصل إليها أوتر لا تربطها علاقة تُذكر بسياسة التجارة بحد ذاتها. وقيمتها تكمن، أو ينبغي أن تكمن، في التأكيد الذي تفرضه في مساعدة العمال والمدن والأقاليم في التكيف مع التفكك الاقتصادي. تعتبر التجارة سببا واحدا فقط في حدوث هذا التفكك والاضطراب، وعادة ليست السبب الأقوى، رغم وجود الصين. ضع في الاعتبار أن العمالة في مجال التصنيع كانت آخذة في التراجع في الولاياتالمتحدة منذ عقود، منذ زمن طويل قبل بدء آلة التصدير في الصين. والقوة الأكثر إحداثا للاضطراب والتغيير في أي اقتصاد هي التكنولوجيا. يعتبر البحث الجديد مهما لأنه يبين أن سوق العمل في الولاياتالمتحدة أقل مرونة بكثير مما توحي به سمعته. من المرجح أكثر أن يجد العمال أنفسهم عالقين، بعمل أو من دون عمل، في أقاليم ومدن متعثرة. وهم يجدون من الصعب التحول إلى مهن بديلة جيدة. صحيح أن هذا الوضع غير المرن يضيف إلى تكاليف التجارة الحرة- لكنه يضيف أيضا إلى تكاليف جميع أنواع الاضطراب الاقتصادي. تعتبر أتمتة العمل من أجل التوفير وغيرها من أشكال الابتكار الأخرى أكثر تكلفة إن لم يكن بإمكان العمال الانتقال، وكذلك المنافسة المحلية. وتشمل تلك القوى نقل العمل أيضا، وتعمل على إيجاد فائزين وخاسرين أيضا. بدلا من محاولة عرقلة التجارة، والتقدم التكنولوجي والمنافسة، يبدو أن الأمر الأكثر جدوى هو جعل أسواق العمل أكثر قدرة على التكيف وذلك عن طريق مساعدة العمال في التحرك والانتقال من وظيفة إلى أخرى ومن موقع عمل إلى آخر- ومنح المزيد من الدعم للذين لا يمكنهم الانتقال حتى مع توفر المساعدة الإضافية. من الإنصاف القول إن دعاة التجارة الحرة غالبا ما يفترضون بسهولة أن مساعدة الخاسرين ليست قضية مهمة من الدرجة الأولى، وفي بعض الحالات لا تشغل البال على الإطلاق. ودائما ما كان هذا خطأ، وقد يساعد البحث الجديد في تصحيحه. لكن قد يكون من الغريب جعل تقديم مثل هذه المساعدة شرطا لدعم وتأييد التجارة الحرة- ما لم تجعلها أيضا شرطا لدعم وتأييد المنافسة والتقدم التكنولوجي. بهذه المناسبة، تجدر الإشارة إلى أن المكاسب التي جنتها الصين من التجارة كانت أكبر بكثير من المكاسب التي حصلت عليها الولاياتالمتحدة. تم إنقاذ مئات الملايين من الشعب الصيني من الفقر، ما يدعم أحد أكبر الزيادات في التقدم الاقتصادي والاجتماعي التي شهدها العالم على الإطلاق. إن كان التوزيع أمرا هاما- وهي نقطة غالبا ما يتم التأكيد عليها من قبل المتشككين في التجارة الحرة التدريجية- ينبغي أن تعتبر الإغاثة الضخمة من الفقر خارج الولاياتالمتحدة أمرا لا يستهان به. يتسبب النقاش حول اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيك بتقديم تعقيدات جديدة، ويشتمل على أكثر من الافتراض التقليدي لصالح التجارة الحرة. إذ ينطوي هذا الميثاق الجديد على أنواع جديدة من التجارة- ليس فقط تجارة البضائع وإنما أيضا تجارة الخدمات، والاستثمار والملكية الفكرية- وبالتالي تنطبق هنا مبادلات تجارية اقتصادية مختلفة. تتوقع إحدى الدراسات المتعمقة والدقيقة في آثارها وصول المكاسب العالمية إلى ما يقارب نصف تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030، حيث تتلقى الولاياتالمتحدة الحصة الأكبر. في المجموع الكلي، سوف تؤدي إلى رفع الأجور في الولاياتالمتحدة لكنها «تفرض تكاليف التكيف على بعض العاملين». مرة أخرى، هنالك خاسرون ورابحون. ورغم ذلك، لا يعتبر البحث المذكور أعلاه ذا صلة مباشرة. حيث إن الآليات المكتشفة في ذلك البحث تتعلق بالتجارة في السلع المصنعة. من وجهة نظر الولاياتالمتحدة، تكون الحجة بالنسبة لبرنامج الشراكة أقوى وليس أضعف، من حجة تحرير التجارة العادية. في العام الماضي، وفي مقالة نشرت في صحيفة الواشنطن بوست، لم يقدم التفسير للسبب سوى أوتر والمؤلفين المشاركين معه. يمتاز برنامج الشراكة بوجود «القليل من الجوانب السلبية» بالنسبة للولايات المتحدة، بحسب ما يقولون، وقد تسمح للشركات الأمريكية «بالتفوق في القطاعات التي تكون فيها قوية»، و«تقديم دفعة قوية للتجارة الأمريكية». قد يبدو هذا أنه يطالب بدعم قوي من الخبراء لبرنامج الشراكة، بدلا من الاعتذارات، والتخبط والمعارضة الفاترة التي اتسم بها كثير من الردود. من المستغرب أن تصرف الجمهور العام يبقى متقبلا نوعا ما نحو التجارة: قد يكون للناخبين فهم أفضل للقضية من كثير من المعلقين ومعظم رجال السياسة. وهذا أمر مهم. لكن المزاج السائد المتعلق باستياء الخبراء من التجارة الحرة لا يزال مخيبا للآمال. حيث إنه يسيء فهم البحوث الجديدة المهمة، ويوجه الاهتمام نحو الأسئلة الخاطئة، ويدعم الاعتماد على السياسات السيئة، وهو ما يسبب أذى كبيرا للبلد.