لا يليق بالإنسان السوي أن يظهر بتناقض حاد بين ما يعتقد بصحته أو صوابه من أفكار وبين ما يتصرف به أو يظهر في أفعاله.. على سبيل المثال؛ أن يكون أحدهم يؤمن في قرارة نفسه بحق ما لكنه أمام الملأ يظهر عكس ذلك، ويتحدث أمام الآخرين بما يناقض قناعته تماما لأنه يخشى أن يتصادم مع رأي العامة أو رأي المحيطين به!! صحيح أن الثقافة الفكرية للناس لا تحترم من يخالف رأيها، خصوصا تجاه تلك الأفكار أو المسلمات الاجتماعية المصبوغة بالدين، لكن لا يجب بأي حال أن يدفعنا هذا الأمر بأن نكون (جبناء) نظهر متناقضين بحدة وعاجزين عن إظهار «آرائنا الداخلية» بالطريقة اللائقة لأننا نخشى إدانة الآخرين لنا.. هذا الأمر لن يجعل صفة الشجاعة والصدق تضمحل فينا فقط، إنما مع الوقت سيقلص قيمة الثقة والاحترام لذواتنا والاعتداد بكينونتنا وشخصياتنا وأفكارنا.. لست من محبذي طريقة التصادم مع الأعراف والمسلمات الاجتماعية المتجذرة في العقول، لكني بلا شك لا أحترم الخنوع الفكري ولا الاستسلام الخائف من مواجهة الأفكار بطريقة هادئة ومهذبة تقود للحوار والتفكير واحترام الاختلاف وعدم معاداته.. إن هذا الوسط الفكري غير السوي، هو من خلق وشجع على استمرار ظاهرة (التمظهر الديني) وهي وجود أفراد «يدعون التدين» والالتزام الأخلاقي «بشكليات دينية» قد تظهر في هندامهم الخارجي أو طريقتهم في الحديث معك؛ خاصة عندما يحاولون إقناعك أو هزيمتك جدلا بأحكام شرعية تم اقتطاعها من الدين حسب أمزجتهم.! وهؤلاء عادة يتمظهرون بالدين خارجيا بحثا عن منافع اجتماعية، فهم يرون أن هذا الطراز الأخلاقي يضفي نوعا من الوقار والهيبة عليهم، فبعض النساء لا تعرف أن تتجمل في وسطها الاجتماعي الا به، وبعض الرجال لا يجد احتراما له في المجالس الا عندما يلبس عباءته!! ومثل هؤلاء رغم محاولته الظهور بهذا المظهر على الدوام إلا انه يفشل في عدة اختبارات تضعها له بعض المواقف الاجتماعية.. فهذا النمط من الشخصيات حريص على استيفاء حقوقه كاملة بهذا «البرستيج الديني» لكنه لا يوفي حقوق الآخرين من هذا المبدأ.! للأسف قليلون هم من يدركون أن القيم الدينية الحقيقية والسوية هي قيم خالصة ترتبط جل أخلاقياتها بين الإنسان وربه، وليس من الأخلاق السامية التمظهر بالدين أو حتى السماح لأحد باستخدامه وتسويق أخلاقه عن طريقه. نحن نسمح بتفشي هذه الظاهرة وتماديها عندما نجبن عن مواجهة هؤلاء بتعميق حقيقة واحدة وصارمة وهي، أن التفاضل في التقوى والإيمان ميزانه عند الرب وليس في كنف البشر.. كما أن الدين منظمومة متكاملة من الأخلاق الرفيعة لا يجوز تفصيل مقاصات خاصة منها لكل فرد حسب ذوقه ومن ثم الاستعراض والتفاخر والمراءاة به عند الآخرين.. عموما ظاهرة (التمظهر الديني) ليست الجانب الوحيد في استخدام الدين للأغراض الشخصية فلقد تزامنت معها وعبر التاريخ استخدامه في الأغراض السياسية للسيطرة على الناس، والتجارية لتسويق البضاعات، والإنسانية لسلب التبرعات، والآن الإرهابية لزعزعة الاستقرار.. لكن الفارق الذي يتجلى في هذه القضية أن معظم المجتمعات المتحضرة تخلصت من هذه الخيبات الفكرية والأخلاقية بينما نحن عاجزون حتى هذه اللحظة عن تحجيم أبسط استغلالات الدين للأغراض الشخصية. لن تتزن المعادلة إلا بارتفاع احترام آدمية الفرد في المجتمع مهما بلغ اختلافه عن الجماعة.. علينا أن نطالب برفع معدل حرية الناس في تقرير مصيرهم وأسلوب حياتهم، حتى نكون منصفين ونقف بدرجة متساوية من جميع قضايانا الاجتماعية. لا يوجد شكل أخلاقي معين مناسب لجميع البشر ومن يحاول أن يتقمص أحد شكليات الدين والأخلاق الظاهرية عليه أن يدرك أننا قريبون من انتهاء صيحتها.