وجه الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، المتهم بدوره بالفساد، تحذيرا مذهلا هذا الاسبوع من ان مكافحة هذه الآفة التي تقع في صلب زلزال سياسي يهز البلاد قد تضر بالاقتصاد؛ بسبب شلل الشركات المتهمة. وأقر لولا دا سيفا الذي ترأس البرازيل من 2003 الى 2010 بأن "هذه المعركة ضد الفساد ضرورية للبلاد"، قبل ان يتساءل "ان كان ممكنا محاربة الفساد بدون اقفال شركات، او التسبب بالبطالة". وبمعزل عن التهكم الظاهر في تصريحاته التي أدلى بها الاربعاء الماضي اثناء لقاء مع نقابات في ساو باولو، يدور جدل حول هذه المسألة في اوساط خبراء الاقتصاد والمحللين. ولتبرير موقفه، لم يتردد العامل السابق في التعدين والزعيم النقابي في الاستشهاد بتقرير لصندوق النقد الدولي. وقال: انه بسبب ما تثيره فضيحة الفساد المدوية حول مجموعة بتروبراس النفطية التابعة للدولة من "ذعر في المجتمع البرازيلي"، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن الانكماش في البرازيل البلد العملاق الناشئ هذه السنة 2,5 نقطة مئوية، ليصل الى -3,5% مقابل -3,8% في 2015. واضاف الرئيس السابق وسط النقابيين الذين قلما يهللون لما يصدر عن صندوق النقد الدولي محذرا "عندما ينتهي كل ذلك، يمكن ان يصبح كثيرون من الناس في السجن، لكن يمكن ايضا ان يكون هناك ملايين العاطلين عن العمل". وتحت تأثير الازمة الاقتصادية بلغ معدل البطالة في فبراير 8,2% من فئة السكان العاملين، وهي اعلى نسبة منذ 2009 في هذه الفترة من السنة. انعدام الثقة ومع خفض التوقعات لشهر يناير، يعزو كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي موريس اوبتفيلد السبب الى "الوضع السياسي" مع تبعات فضيحة بتروبراس التي لحقت ايضا بسيلفا دي لولا نفسه، والتهديد بعزل الرئيسة ديلما روسيف بتهمة التلاعب بالحسابات العامة. ولفت الى ان هذا الوضع تسبب في "انعدام الثقة على غرار التدهور المستمر للاوضاع المالية". ففي بلد بات في قلب عاصفة سياسية قضائية، لم تمر تصريحات لولا دا سيلفا بدون ردود افعال. فقد رد رئيس اتحاد القضاة الفيدراليين في البرازيل انطونيو سيزار بوشنيك بالقول: ان "عملية (تفكيك شبكة بتروبراس) لم ينجم عنها اي ضرر، بل سمحت باستعادة اكثر من ثلاثة مليارات ريال (حوالى 800 مليون دولار)"، وأيضا ممتلكات ومبان. وشدد بوشنيك كما نقلت عنه صحيفة او استادو الصادرة في ساو باولو على "ان الفساد الذي يزيد من تفاقمه الافلات من العقاب، هو الذي يسبب اضرارا كبيرة على الاقتصاد". لكن بالنسبة لجيسنر اوليفيرا بروفيسور الاقتصاد في مؤسسة جيتوليو فارغاس في ساو باولو، فإنه لا يمكن انكار ان محاربة الفساد تنطوي على "تكلفات وارباح"، حتى وان كان من الممكن التخفيف من الاولى. وكشف التحقيق شبكة ضخمة من الرشاوى دفعتها مجموعات بناء الى بتروبراس وسياسيين لانتزاع استدراجات عروض. قطع اعتمادات صدرت احكام في هذه القضية شملت كوادر من بتروبراس ورؤساء مجموعات عملاقة في قطاع بناء، امثال مارسيلو اودربريشت رئيس مجموعة تحمل الاسم نفسه الذي حكم عليه بالسجن ل 19 سنة وستة اشهر، والنتيجة برأي اوليفيرا هي "ان النظام المصرفي قطع اعتمادات للشركات المتورطة وجميع تلك المرتبطة بالاشغال العامة". وافاد مكتب الاستشارات او جي اسوسيادوس الذي ينتمي اليه ايضا اوليفيرا بأن مكافحة الفساد تكلف نحو "3,6 نقطة مئوية من اجمالي الناتج الداخلي" للبرازيل. وعلقت بتروبراس حتى نهاية العام دفع التكلفات الاضافية في هذه الاشغال بسبب شبهات بالفساد، ما يترك في الشارع 12 الف عامل بحسب مجلة ايستوي، فيما اضطرت مصانع اسمنت كبرى الى تعليق بعض المشاريع بسبب الضيق المالي. واعتبر اوليفيرا "ان المعركة ضد الفساد اولوية، لكن يمكن التخفيف من انعكاساتها" على سبيل المثال من خلال عقد "اتفاقات تساهل مع الشركات المتهمة تسمح بمعاقبة المسؤولين لكن من دون ابعاد المجموعات عن استدراجات العروض العامة". والاهم من ذلك يتمثل برأيه في وجوب "تحسين الحوكمة" داخل الشركات أكانت العامة أو الخاصة كي "لا يتكرر" حدوث مثل هذه الفضيحة.