كنت تساءلت في مقال سابق.. أين تكون غزوة الإرهاب التالية؟ ولم أحدد موقعا بعينه لأنه يمكن تخيّل كل مكان فيه تطرف ومتطرفون، يمكنهم أن يمارسوا رذيلة الغدر بأي أبرياء من أي ملّة كانت حتى لو من ذويهم، وذلك لسبب بسيط وهو أن الفكرة المتطرفة يقظة والخلايا نائمة، ولأنه لم تتم معالجةٌ ليقظة التطرف على النسق الذي ينشط فيه دعاته في المواقع الاجتماعية فمن الضروري أن يتمتع هؤلاء بحيوية ضارة بالأمن والسلام المجتمعي. حين تم غزو معقل الاتحاد الأوروبي في هجوم مزدوج على المطار ومحطة المترو، كان ذلك تأكيدا قاطعا على تمدد الفكرة المتطرفة التي تواصل الإرهاب من خلال مثل هذه الأفعال الإجرامية العابرة لحدود المكان والزمان، وكثير من ترتيبات العقل المتطرف تتم في الوسائط الاجتماعية، فهناك طفح كثيف في الخطاب جعل تلك الوسائط وسيلة محورية في انتقال الأفكار العدائية والسلبية بصورة مهددة لأمن المجتمعات، ومع وجود تلك الخلايا النائمة التي تؤمن على الأقل بالحد الأدنى للحمم العقدية السيئة، فإنها تصبح مشاريع قتل محتملة يمكن أن تتبلور في أي لحظة لتفجر هنا أو هناك، ولا يفرق المكان كثيرا، فبلجيكا مثلها مثل سوريا أو العراق أو السعودية أو الكويت وغيرها من المناطق التي يتم استهدافها بضراوة وشراسة عدائية مدمرة للروح الإنسانية. لم تعد أمام المجتمعات خيارات كثيرة في مواجهة التمدد المتطرف الذي أصبح وباء فكريا وعقليا يجب التعامل معه في إطار المعالجات الإكلينيكية مثله مثل أوبئة الإيدز والإيبولا، فتلك المعامل الحيوية يجب استنساخها في مسارات فكرية دولية لإطلاق حملة دولية لا تنطوي على أي أهداف استخباراتية بالدرجة الأولى، لأنه ثبت تباين الأهداف النهائية لجميع الأطراف ما يشتت الجهود للمكافحة، ولكن في حالة الوصول الى تعادل فكري يستهدف القضاء على خطر إنساني عالمي فإن العملية تبدو أكثر جدوى وفعالية، وبعدها ليبحث الذين يسعون وراء المكاسب الاستخباراتية عن مكاسبهم في حصاد الإرهابيين وتوظيفهم تحت السيطرة، لأنهم حاليا لا يسيطرون على شيء وإنما يسيطر المتطرفون على أمن العالم أكثر من أولئك الذين يزعمون مكافحة الإرهاب، دون ذلك لا يمكن فعل الكثير من أجل سلام عالمي أو أمن مجتمعي في قرية كونية يمكن أن يتم تجنيد متطرفين فيها عبر الأثير بسهولة أكثر مما تتوقع الأجهزة الأمنية التي تراخت قبضتها بإهمال العامل الفكري في بناء التطرف وتكوينه حتى وصل الى هذه الحالة الهلامية غير القابلة للسيطرة.