تتوالى في الآونة الأخيرة القرارات والتصريحات حول توجه الحكومة لإصلاح سوق العمل. فبعد دراسة نظام لإغلاق المحال التجارية بعد الساعة التاسعة مساء، جاء تأكيد الحكومة على أن تطبيق هذا النظام سيبدأ قبل نهاية هذا العام. ثم تبع ذلك قرار سعودة وظائف محلات التجزئة لنشاط بيع وصيانة الجوالات. كل هذه القرارات تصب في مصلحة الاقتصاد والمواطن على حد سواء وذلك لاحتوائها على أبعاد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. ولكن الغريب في الأمر هو ردة فعل الشارع السعودي والمواطن. فكما هو معروف، فإن التغيير ليس بالأمر السهل. ومتى اعتاد المرء على نمط معين من الحياة، فإنه دائما ما يبحث عن المبررات التي تبقي على نفس أسلوب معيشته حتى وإن كان في التغيير مصلحة له وللوطن ككل. فعلى سبيل المثال، جاءت المعارضة من الطرف الممانع للتغيير من الشارع السعودي بمبدأ الخصوصية السعودية. ففي وجهة النظر هذه، أن العامل السعودي لا يؤتمن على ما تحمله الجوالات من خصوصيات. ورأى آخرون أن الوظائف الأولى بالسعودة هي التي تقع في أعلى الهرم الوظيفي والتي تدفع رواتب أعلى لمستشارين ومتخصصين أجانب. فبحسب وجهة النظر هذه أن العائد لمثل هذه الوظائف سيكون أعلى مردودا من وظائف محلات البيع بالتجزئة. وجهة النظر الأولى تطعن في الموظف السعودي وتحمل قدرا كبيرا من العنصرية. فالموظف غير الأمين لن يتحول إلى أمين لمجرد كونه أجنبيا. أما الثانية فإنها قاصرة ولا ترى أبعد من أنفها، حيث إنها لا تشمل الأبعاد الاقتصادية غير المباشرة لإحلال الموظف السعودي القادر مكان الموظف الأجنبي الذي لا نحتاج إليه. فالأثر المباشر لهذا القرار أن كل أجنبي يخرج من سوق العمل سيوفر وظيفة لمواطن. أما الآثار غير المباشرة فتشمل كسر احتكار العمالة الرخيصة لهذا النشاط، بالإضافة إلى تخفيف الاستهلاك المحلي من الوقود والكهرباء والماء، كما أنه سيخفف من اختناق المدن واكتظاظها السكاني، حتى ينتهي الأمر بتوفير المزيد من الوحدات السكنية للمواطنين. من المرجح أن يكون الأثر المباشر لهذا القرار ارتفاع أسعار خدمات الصيانة ومبيعات الجوالات. وذلك لأن ما يخفض الأسعار اليوم هو الزيادة المفرطة في العرض بسبب اعتماد النشاط على العمالة الرخيصة. ولكن خروج المحلات الفائضة عن الحاجة وعودة الأسعار إلى نقطة تعادل العرض والطلب هو ما سيدفع الشباب السعودي نحو هذه الوظيفة، لأنها ستدر دخلا مجزيا على شاغلها. كما أن بقاء أموال هذه التجارة بين جنبات الاقتصاد السعودي بحيث لا تهرب إلى الخارج مع تحويلات الأجانب سيكون له أثر إيجابي على توظيف السيولة في الاقتصاد الكلي. وكذلك سيتمكن المواطن من تعويض الفرق في التكلفة بشكل غير مباشر عندما تنخفض معدلات الاستهلاك على الخدمات والسلع الأخرى بشكل عام، وأهمها تكلفة الإيجارات والسكن. إصلاح سوق العمل بهدف تخفيض اعتمادنا المفرط على العمالة الرخيصة المنخفضة الإنتاجية هو المفتاح الأهم لتطوير الاقتصاد السعودي وحل معضلاته، بالطبع إلى جانب ما يحصل اليوم من تعزيز الشفافية وضبط ورفع كفاءة الانفاق الحكومي. ولكن ميزة إصلاح سوق العمل أنها تعمل على مستوى الاقتصاد الجزئي ولذلك فإن لها أثرا أكثر مباشرة على رفاهية المواطن من العوامل الباقية. ولكن نجاح مثل هذه القرارات مرهون بمدى الانضباط في تطبيقها والحد من الالتفاف حولها، وكذلك مدى تقبل الشارع السعودي لمثل هذا التغيير الجذري. ولذلك فإن على الجهات الحكومية المسؤولة عن إصلاح سوق العمل إن تكثف برامجها في إيضاح الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لجمهور المواطنين. القرار يخفض تحويلات الأجانب الى الخارج