لا مسوغ للفساد في أجهزة الدولة سوى فساد النفس العاملة، فهناك قوانين منصوصة وقيم دينية وأخرى اجتماعية إضافة للأخلاق الإنسانية يفترض أن تعمل جميعا كحائط صد ضد هجمات النفس الأمارة بالسوء، وللحقيقة لم يتجرأ موظف أو إداري على المال العام أو صلاحيات الوظيفة بما يتعارض مع المصلحة العامة، سواء كانت وطنية أو مجتمعية، إلا بسوء نفس في إطار خاص جدا لأنه لا يتوقع ألا يتعرض موظف أو قائم بعمل عام في أي مرحلة من مراحل حياته لجرعة تربوية وأخلاقية في المنزل أو المدرسة أو المجتمع. أحد أعضاء لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى قال بحسب ما نشرته إحدى الصحف مؤخرا، إن الفساد زاد بعد إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأكد أن الهيئة أعطيت صلاحيات واسعة امتدت إلى محاسبة كائن من كان، إلا أنها لم تعمل بالشكل المطلوب، وبغض النظر عن تواضع قدرات المؤسسة أو عدم اضطلاعها بمهامها كما يجب، إلا أن زيادة الفساد بعد إنشائها بحسب تصريح عضو الشورى مؤشر خطير لانتهاك الحق العام في الشفافية والنزاهة واستباحة المال العام وسوء التصرف الإداري الذي يعبث بمصالح الناس وحقوقهم. بالطبع تتعدد أشكال الفساد بدءا من الرشوة والاختلاس والواسطة وغيرها من الحيل التي نسمع بها ولم نسمع عنها، ولكن يبقى جريمة شنيعة ترتكب بحق الوطن والمواطن، وإذا كانت هناك زيادة في معدلات الفساد والإفساد فإن المطلوب جهد أكبر من المؤسسة المعنية من ناحية، وارتفاع حس المسؤولية الأخلاقية والوطنية من ناحية أخرى، وهيئة «نزاهة» ليست بالضرورة أن تكون الحل النهائي لأننا إذا اعتمدنا على ذلك فيعني أن يمارس كل ضعيف نفس مزيدا من طرق التحايل على النزاهة والأداء الأخلاقي السليم لأمانته الوظيفية، ودون رادع ذاتي لكل موظف أو مسؤول فمن الصعوبة السيطرة على مؤشر الفساد. من الخطأ تحميل «نزاهة» فوق ما تحتمل من مسؤوليات وواجبات في متابعة المفسدين والحد من خطرهم على بنية الدولة وأجهزتها، وإنما الصواب أن نتوجه الى كل المسؤولين برسالة أخلاقية تدعم وتعزز مبدأ الشفافية والنزاهة في الضمائر، وإبعاد كل سيئ عن المنصب والمسؤولية فورا مع تجريمه وجعله عبرة ونموذجا رديئا للموظف العام، الحل يبدأ من الضمير وينتهي فيه فتلك الهيئة مؤسسة إدارية وإجرائية لتعزيز سلطة الدولة في حماية المؤسسات والمال العام وحقوق المواطنين من التآكل والعبث بها، وإذا لم يكف فاسد عن سلوكه المدمر بإجراء وقائي وكابح لما يفعله فإنه سيفكر في كثير من البدائل التي يخترق بها كل جدران الشرف والأخلاق الفاضلة. الفساد جريمة معقدة ولها مخاطر متعددة تضر ببناء الوطن ومؤسساته، وتنخر في عظام التنمية وتمتع كل مواطن بحقوقه الكاملة في الخدمات والتوظيف وإنهاء الإجراءات دون بيروقراطية وتسويف وتعسف وغلظة، ولذلك ينبغي تشديد العقوبات على كل من يثبت فساده حتى يصبح عبرة وآية لأننا في مرحلة نمو وبناء لا تحتمل سلوكيات انتهازية رخيصة تحقق صالح أفراد غير مؤتمنين وليسوا جديرين بالمسؤولية على حساب الصالح العام للوطن والمجتمع.