عمل الارتفاع في معدل التضخم الأساسي في الولاياتالمتحدة على إقناع الكثير من الناس بأن الانكماش لم يعد يشكل تهديدا. لكن حتى أولئك الذين لم يشتركوا أبدا في الفكرة التي مفادها أن أسعار السلع الاستهلاكية يمكن أن تنخفض لفترة طويلة ينبغي أن يكونوا حذرين من إساءة قراءة البيانات ورفض مخاطر الانكماش. ارتفعت الأسعار الاستهلاكية الأمريكية الأساسية، باستثناء أسعار الأغذية والطاقة، بنسبة 0.3 بالمائة في يناير عن شهر ديسمبر. والأرقام التي نشرت يوم الجمعة أظهرت ارتفاع الأسعار السنوية المدفوعة للسلع والخدمات من قبل المستهلكين، باستثناء الطعام الوقود، بنسبة 1.7 بالمائة الشهر الماضي، التي تفوق بالفعل الوتيرة التي نسبتها 1.6 بالمائة والتي كان قد الاحتياطي الفيدرالي للأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. ويبلغ معدل الاستهلاك الأساسي السنوي الآن 2.2 بالمائة، الوتيرة الأسرع منذ يونيو من عام 2012. بالتأكيد، انخفضت توقعات المستهلكين المتعلقة بالتضخم لثلاث سنوات منذ ذلك الحين إلى نسبة 2.5 بالمائة من أصل 3.8 بالمائة في شهر أغسطس من عام 2013، وفقا للاستطلاع الشهري الذي يجريه الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. لكن الشهر الماضي، كان معدل التضخم الرئيسي الفعلي أكثر انخفاضا، بنسبة معدلة موسميا بلغت 1.3 بالمائة. عندما ترتفع الأسعار، يعتقد الناس أن هنالك تأثيرا لشيطان أو لقوى أخرى خارج نطاق سيطرتهم. لكن عندما يكون الدفع أقل، يكون السبب أنهم متسوقون أذكياء. كما أن المستهلكين (وحتى خبراء الاقتصاد) ليسوا مدركين بأن هنالك انكماشا في أسعار السلع. في شهر ديسمبر، انخفض مكون السلع في مؤشر التضخم بنسبة 2.2 بالمائة. مع الانهيار المستمر في أسعار السلع الأساسية، سوف يزداد الانكماش في الأسعار الاستهلاكية خلال الأشهر المقبلة. أسعار النحاس في انخفاض بنسبة 20 بالمائة خلال العام الماضي، وخام الحديد بنسبة 25 بالمائة تقريبا، وحبوب الصويا بنسبة 13 بالمائة والسكر بنسبة 12 بالمائة، في الوقت الذي هبط فيه إجمالي مؤشر بلومبيرج للسلع الأساسية بنسبة 26 بالمائة. منذ أن قمتُ بنشر العمود في بلومبيرج فيو لعام 2015 تحت عنوان "استعدوا لنفط بسعر 10 دولارات، في السادس عشر من فبراير، (نشر المقال في صحيفة اليوم بعنوان "هل سيهبط النفط إلى مستوى 10 دولارات للبرميل؟"، بتاريخ 22 فبراير 2015) انخفض خام غرب تكساس المتوسط إلى حوالي 32 دولارا للبرميل الواحد من أصل 63 دولارا، ويبدو أنه سيصل إلى الهدف الذي توقعتُه والذي يتراوح بين 10 إلى 20 دولارا. علاوة على ذلك، لا ينفق المستهلكون الأمريكيون بشكل مفاجئ بسبب انخفاض أسعار البنزين وبالتالي يساعد ذلك في تحفيز الاقتصاد والأسعار. منذ شهر نوفمبر من عام 2014، عندما رفضت منظمة أوبك خفض إنتاج النفط وانخفضت أسعار الطاقة إل الحضيض، استفاد سائقو السيارات بما يعادل 86 مليار دولار جراء انخفاض أسعار البنزين. لكنهم زادوا من مدخراتهم بقيمة إضافية بلغت 82 مليار دولار وأكثر من الوتيرة التي كان يجري فيها تخفيض الديون وبناء الأصول قبل انخفاض أسعار البنزين. كما أن هنالك ارتباطا أيضا بين أسعار السلع وتكاليف الخدمات، لذلك انخفض معدل التضخم السنوي الخاص بالخدمات إلى نسبة 1.9 بالمائة في شهر ديسمبر من أصل 2.5 بالمائة في شهر مايو من عام 2014. (وعمال قطاع النفط المُسرَّحون لا يحصلون على العديد من الإجازات، ويرتادون الحانات والمطاعم بشكل قليل). بالإضافة إلى ذلك، يميل الأشخاص القلقون من التضخم إلى عدم النظر في العناوين الرئيسية للاعتراف بأن التدبير المتعلق بمؤشر الأسعار الاستهلاكية يبالغ إلى حد كبير في معدل التضخم. إن الكثير من التحسينات النوعية لا تنعكس في الأسعار، رغم ما يسمى بالتعديلات النوعية التلذذية الهادفة إلى الحصول على أداء أفضل. على سبيل المثال، ربما تبلغ تكلفة جهاز كمبيوتر محمول جديد نفس تكلفة الجهاز السابق له لكن يكون لديه عشرة أضعاف القوة الحاسوبية. وقد عمل مؤشر الأسعار الاستهلاكية أيضا على تعديل الأوزان ولا يعكس الحقيقة التي مفادها أنه عندما يكون البرتقال أرخص ثمنا من التفاح، يشتري الناس برتقالا أكثر. هذه المبالغة تكون صحيحة تماما خاصة في قطاع الإسكان. صدق أو لا تصدق، يفترض مؤشر الأسعار الاستهلاكية بأن أصحاب البيوت يقومون بتأجير مساكنهم من أنفسهم بأسعار السوق الحالية. وهذا الذي يسمى بإيجار المالكين المكافئ يسهم بنسبة 24 بالمائة في مؤشر الأسعار الاستهلاكية الرئيسي، وبنسبة 31 بالمائة في مقياس التضخم الأساسي. ويستند هذا التدبير المشوه أساسا على القليل نسبيا من منازل الأسرة الواحدة المتوافرة في قطاع الإيجار. مع وجود ديون طلاب مرتفعة، وانعدام الأمن الوظيفي وانخفاض أهداف الائتمان، كان يقوم العديد من أصحاب المنازل المحتملين بالتأجير بدلا من ذلك. لذلك، كانت تكاليف الإيجار آخذة في الارتفاع وقد ارتفع مكافئ الإيجار للمالكين بنسبة سنوية تقدر بحدود 3.2 بالمائة في شهر يناير، الوتيرة الأسرع منذ منتصف عام 2007. لكن هل يعرف أصحاب المنازل حقا أو يهتمون بقيمة الإيجار لبيوتهم؟ هل يؤثر هذا في سلوكهم في الإنفاق أو الادخار؟ يبدو هذا غير محتمل. من دون هذه الأرقام الوهمية، يبلغ معدل التضخم الأساسي السنوي لشهر يناير تقريبا النصف بنسبة 1.2 بالمائة من أصل الرقم المعلن سابقا والبالغة نسبته 2.2 بالمائة، في الوقت الذي ينخفض فيه الرقم الرئيسي إلى 0.6 بالمائة من أصل 1.3 بالمائة. منذ شهر سبتمبر من عام 2011، عندما بدأت الإيجارات في التسارع، بلغت نسبة معدل النمو السنوي الأساسي المركب 1.8 بالمائة لكن 1.1 بالمائة باستثناء الإيجار المكافئ للمالكين في الوقت الذي تكون فيه أرقام مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأساسي 1.1 بالمائة و0.4 بالمائة، على التوالي. علاوة على ذلك، يشير البحث الذي قمتُ به إلى أنه في الوقت الذي عمل فيه الحماس السابق للإيجار مقابل الشراء على توسيع نطاق الفجوة بين الإيجارات وتكاليف امتلاك المنازل، يبدأ الفرق في التلاشي. أصبحت ملكية المنازل رخيصة نسبيا، مزيج من الإفراط في بناء الشقق بالإضافة إلى المنازل المخصصة لأسرة واحدة والتي يجري تحويلها إلى بيوت للإيجار تعني أن السوق قد أغرقت بالفعل. لذا، سوف يرتفع مكون مكافئ الإيجار للمالكين في مؤشر الأسعار الاستهلاكية ببطء أكبر، إن لم ينخفض، في المستقبل.