على الرغم من إقرار معظم الناس بأن الإنسان خطاء، وعلى الرغم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» رواه مسلم، إلا أن معظم الناس لا يتصور نفسه مخطئاً، ولا يستسيغ فكرة الاعتراف بالخطأ، فضلا عن إصلاحه. ذلك لأن الخطأ مرتبط بالتفكير، والتفكير مرتبط بالذات بصورة يصعب معها التعامل بحيادية أو فض الاشتباك بينهما، فإذا أراد أحد أن يقنع آخر بأنه مخطئ فسيصطدم بصورته عن نفسه التي يراها كما يحب أن يراها لا كما هي في الواقع. لقد رصد أحد المهتمين الغربيين في مجال أبحاث التفكير والإدراك، العديد من أخطاء التفكير المنطقية، والتي يتسبب فيها قصور إدراك المرء عن استيعاب كل ما يحيط بالموضوع الذي يفكر فيه، ورأى أن من أهم الأخطاء التي يتكرر الوقوع فيها بوعي أو بغير وعي تسعة أخطاء هي: أولا: التحيز والنظرة الجزئية التي تعد إلى حد بعيد، الخطأ الرئيس في التفكير، إذ في هذه الحالة ينظر من يفكر إلى جزء من الموقف فحسب، ويقيم حجته على أساس ذلك، لأنه من السهل أن يصر المرء على وجهة نظر معينة متعمدا كان أو غير متعمد طالما أنه يستطيع أن يشيد حجة متسقة منطقيا يعتمد عليها في إقناع الآخرين، ويصعب غالباً اكتشاف الخطأ ما لم يكن هناك إلمام بجميع جوانب الموضوع. ثانيا: الزمن المعتبر للحالة، ويعتبر هذا الخطأ حالة خاصة للنظرة الجزئية، حيث يركز المرء على شريحة زمنية ضيقة، غالبا ما تكون قريبة، ويبدو هذا الخطأ واضحا حين نحاول توقع نتائج الأحداث، فكثيرا ما تتغير نتائج الحدث الواحد بعد مرور فترة من الزمن، فما يبدو إيجابياً ومرضياً في نتائجه القريبة قد لا يكون كذلك على المدى البعيد، والعكس صحيح. ثالثا: التمركز حول الذات، وهو أن تتركز المساحة الجزئية للإدراك على الذات، وإذا كان هناك مبرر للتمركز حول الذات، من منطلق أن الغرض من التفكير الشخصي يكمن في إفادة المرء نفسه لمواجهة الحياة بفاعلية، فإن الخطأ لا يقع إلى حد بعيد في عناية المرء بمصالحه، بل في عجزه عن رؤية بقية الموقف، وإذا كان بوسع المرء أن يرى الموقف بطريقة أشمل ثم يعود للتمركز حول ذاته فإنه في هذه الحالة سيكون صائباً في تفكيره غير أنه أناني في أخلاقه. رابعا: الغرور، ويبرز خطأ الغرور حينما يبدو تفسير منطقي واضح لأمر ما، ويؤخذ هذا التفسير حينئذ على أنه صحيح، ويكمن الخطأ في أن الرضا عن التفسير المبدئي يعوق البحث عن أية تفسيرات أخرى، برغم إمكانية وجود تفسيرات أخرى قد تتجاوز التفسير الأول وربما تفضله، ويوجد سببان لهذا النوع من الخطأ: أولهما: أنه لا يبدو خطأ على الإطلاق فغالبا ما يبدو أنه تفسير كاف مُرض. الثاني: هو وجود طريقة منطقية لتبريره تعيق البحث عن التفسيرات الأخرى. والحق أن تقدم العلم يعود فقط إلى العلماء الذين هيأوا أنفسهم لعدم الرضا عن التفسير الأقرب، وكرسوا جهودهم للبحث في التفسيرات البعيدة الأخرى لاحتمال أن يكون الحق في أحدها. الخامس: الحكم الأولي، الذي يتوهم حين يستخدم التفكير لا للوصول إلى الحكم وإنما لمناصرة حكم تم إصداره سلفاً، على أساس من التحيز أو العاطفة أو الاعتقاد أو التكتل الاجتماعي. وليس الخطأ في إصدار حكم ابتدائي ولكن الخطأ في توجه العقل نحو خلق حجج متسقة منطقية لدعم هذا الحكم، ومن سمات العقل أنه إذا لم يجد ما يشغله فإنه يندفع إلى صياغة الأحكام متأثرا بالبعد العاطفي بينما يحتاج المرء إلى مزيد من السعة في الإدراك لتمحيص الموقف والتعامل مع الحكم الابتدائي كنقطة عبور للحكم النهائي المتيقن صحته. وللمقال تتمة.