عمت الأراضي الفلسطينية، موجة غضب جماهيرية وفصائلية واسعة، في أعقاب إعدام الجيش الإسرائيلي أربعة أطفال والتنكيل بالطفلة ياسمين التميمي، بعدما فتح الجنود النار تجاهها وأصابوها بثلاثة أعيرة نارية، قرب الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وتركوها تنزف على الأرض ومنعوا الطواقم الطبية من إسعافها، قبل أن ينقلوها بعد فترة طويلة من إصابتها للعلاج في مستشفى "شعاري تسيدق" الإسرائيلي. حيث وصفت حالتها بالخطيرة. وظهرت الطفلة التميمي في مقطع فيديو مؤلم نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهي مضرجة بدمائها دون تقديم الإسعافات الأولية لإنقاذ حياتها، في وقت كان الجنود يخضعونها للتحقيق والاستجواب. وعد قانوني فلسطيني، خلال حديثه ل"اليوم"، أن ما جرى مع الطفلة التميمي جريمة حرب، تتطلب من المجتمع الدولي محاسبة مرتكبيها أمام العادلة. ولاقت جريمة الجيش الإسرائيلي بحق الأطفال الفلسطينيين استنكاراً واسعاً على صعيد الشعبي والفصائلي، وتهديدات للجيش الإسرائيلي بدفع الثمن غالياً، وسط مطالبة لفصائل المقاومة بتفعيل الخلايا العسكرية النائمة بالضفة الغربية وتنفيذ عمليات فدائية ضد الجيش الإسرائيلي. مقتل 49 طفلا خلال 135 يوميا ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ اندلاع انتفاضة القدس قبل 135 يومًا، إلى 180 شهيداً بينهم 49 طفلاً، منهم 17 طفلة. وشهد استهداف الاحتلال لفئة الأطفال خلال الفترة الأخيرة، ارتفاعاً ملحوظاً حيث بلغت نسبتهم 46% تقريبًا من مجمل شهداء هذا الشهر، مقابل ما يقارب 25% في الفترة التي سبقت هذا الشهر. وأكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، الدكتور أحمد المدلل، أن جرائم الجيش الإسرائيلي بحق الأطفال، لن تمر بدون عقاب، مهدداً خلال حديثه ل"اليوم"، الجيش بدفع ثمن غال جداً، مطالباً فصائل المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية بتفعيل الخلايا النائمة لتنفيذ عمليات فدائية تردع الإجرام الإسرائيلي وترد الصاع صاعين. وبين المدلل أن جرائم الجيش تعكس الفشل الذريع الذي أصاب المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية "الصهيونية"، في مواجهة وإجهاض انتفاضة القدس، قائلاً: "الاحتلال يحاول أن يغطي على ذاك الفشل بكل فاشية وإجرام، وقتل للأطفال بدم بارد"، مؤكداً الأطفال لا يشكلون خطراً على الجندي الإسرائيلي المدجج بالأسلحة. ووصف المدلل الاحتلال الإسرائيلي: "بالمجرم الذي لا يعرف طريقا للإنسانية ولا معنى للقوانين والمواثيق الدولية"، مبيناً أن الأطفال والنساء الفلسطينيون يتعرضون للقتل الممنهج من قبل الجيش أمام أنظار مجالس ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والأممالمتحدة، معتبراً أن صمت المجتمع الدولي اتجاه تلك الجرائم جعل منهم شركاء فيها. ومن ناحيته اتفاق القيادي البارز في حركة حماس يحي موسي مع المدلل، بوصفه الاحتلال بالمجرم، مؤكداً أن إسرائيل دولة ولدت في أحضان الأممالمتحدة، وتحصل على كل أنواع الدعم الاستعماري، لذلك تعتبر نفسها فوق القانون. وزاد خلال حديثه مع ال"اليوم"، إن: "الاحتلال يتخذ من الشرعية الممنوحة له من واشنطن وسيلة لتنفيذ جرائم القتل بحق الأطفال بجانب تهويد المقدسات الإسلامية". وأوضح موسى أن على المجتمع الدولي والعربي والإسلامي، أن يدركوا أن إسرائيل أصبحت مصدراً للشر في كل العالم، وتشكل نموذجاً للكراهية والعنصرية، وإشعال نيرات الحرب المذهبية، قائلاً: "الاحتلال صنع الشر بالعالم ليستفرد بالفلسطينيين"، معتبراً أن قتل الأطفال والتنكيل بالطفلة التميمي مقدمة لمزيد من الجرائم سترتكب مستقبلاً. في ذات السياق استهجن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدكتور جمال محيسن، جرائم الجيش الإسرائيلي بحق الأطفال، مؤكداً أن الجيش يحاول عبر تلك الجرائم جر السلطة الوطنية لمواجهة مباشرة، لاستهداف القيادة، وتنفيذ عملية عسكرية واسعة بالضفة الغربية على غرار عملية "السور الواقي" التي جرت عام 2000، ودمر خلالها الجيش مؤسسة السلطة وأجهزتها الأمنية، ومقر الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار). وربط محيسن خلال حديثه مع "اليوم"، وقف الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وخاصة الأطفال، بهدوء المحيط العربي وإنهاء الانقسام الفلسطيني، قائلاً: "يجب أن يدرك الجميع ضرورة عودة الصراع العربي الفلسطيني مع إسرائيل على اعتبارها عدوا مشتركا إلى الواجهة، وبدون ذلك ستنفذ إسرائيل مزيدا من الجرائم الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني". وانتقد محيسن بشدة مواقف المجتمع الدولي والبيانات التي صدرت عن الرباعية الدولية والاتحاد الأوربي، بشأن جرائم الجيش بحق الأطفال، وصفاً إياها ب"الباهتة"، مطالباً بالضغط على إسرائيل لإلزامها بالقوانين الدولية، تأمين حماية دولية للفلسطينيين. ولم يصدر أي تعقيب من مسؤولين في السلطة الوطنية الفلسطينية ولا الرئاسة، على الرغم من محاولة صحيفة "اليوم" الحصول على تعليق منهم لكن بدون فائدة، في حين اكتفى الحكومة الفلسطينية بمطالبة المجتمع الدولي بتدخل عاجل لتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين، جراء التصعيد الإسرائيلي والقتل المتعمد للأطفال. جرائم حرب ستعرض أمام المحكمة الدولية وعلى الصعيد القانوني أكد القانوني الفلسطيني وعضو في اللجنة الوطنية لمتابعة محكمة الجناية الدولية، عصام يونس أن ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي بحق الأطفال جريمة حرب، واستمرار لمسلسل قائم يتكرر فيه مشهد الجريمة والقتل بشكل يومي بالأراضي الفلسطينية. وعد يونس التنكيل بالطفلة التميمي ومنع إسعافها لحظة إصابتها جريمة حرب، ومؤشر خطير ينذر بمزيد من الجرائم سيرتكبها الجيش بحق الأطفال، مطالباً خلال حديثه ل" اليوم"، الجميع بتحمل مسؤولياته تجاه الجرائم الإسرائيلية بحق الأطفال. وقال:" هناك واجبات قانونية على عاتق المجتمع الدولي يجب الالتزام فيها، وعليهم وضع حد لاستمرار اعتبار الفلسطينيون كعدد للشهداء ووقف العبث الخطير بحقوقهم". وأكد أن العمل القانوني لملاحقة مرتكبي الجرائم في إسرائيل قائم ومتواصل، وهناك كم كبير من الجرائم موثقة أمام محكمة الجنايات الدولية. ولم تكن الطفلة التميمي الضحية الأولي لجرائم الجيش الإسرائيلي فسبق وأن ظهر الطفل احمد مناصرة (13عاما) بمقطع فيديو يظهر المستوطنون الإسرائيليون وهم يكيلون له شتائم وألفاظا نابية بينما كان ينزف بعد أن أطلقوا عليه النار، في الوقت الذي استشهد فيه ابن عمه حسن بجواره عقب إعدامه برصاص الجنود. وظهر المناصرة بمقطع فيديو آخر بعد أيام من تلقيه العلاج، وهو داخل غرفة تحقيق، يوجه له ضباط المخابرات اتهامات بالصراخ والسباب دون أي اعتبار لصغر سنه وبراءته، في حين أخذ المناصرة يبكي بفعل ما يتعرض له من إرهاب وتهديد. واستمرارا لمسلسل الجرائم الإسرائيلية بحق الأطفال بثت قناة العبرية الثانية، مساء الأحد، مقطع فيديو لجندي إسرائيلي ينكل بطفل فلسطيني بصعقه بالكهرباء أثناء إخضاعه للتحقيق. وذكرت القناة، بان الحادثة وقعت مطلع شهر تشرين أول الماضي، موضحة أن أحد الجنود من كتيبة "ناحال" وثق عملية التنكيل ونشرها بين أفراد الوحدة قبل أن يتم اكتشاف القضية ويفتح الجيش تحقيقا بالحادثة. وعلى الصعيد الشعبي الفلسطيني لاقت جرائم الاحتلال بحق الأطفال إدانة واسعة، وسط مطالباً بان يقف الكل الفلسطيني صفاً واحداً ضد ممارسات الجنود الإسرائيليين. غضب بين المواطنين من القيادات وقال المواطن محمد عوض من مدينة الخليل ل"اليوم": "أصبحنا نخاف أن نرسل أطفالنا إلى المدارس حتى لا يعودوا شهداء، خاصة وأنه لا يمر يوم، إلا ويستشهد فيه طفل على واحد من الحواجز الإسرائيلية بالمدينة". وأوضح عوض أن الخليل نالت نصيب الأسد من شهداء انتفاضة القدس، مؤكداً أن هناك استهدافا ممنهج لأطفالها خاصة قرب الحرم الإبراهيمي، مشدداً على بقائهم صامدين داخل المدينة، لكنه أوضح أن ذلك البقاء والصمود يحتاج إلى وحدة صف وإنهاء انقسام. ووجه عوض رسالة للقيادة الفلسطينية قال فيها وهو غاضب: "أطفالنا يقتلون شهداء من أجل الوطن وأنتم تجلسون في مكاتبكم ولا تحركون ساكنا، هذا أمر مرفوض وعليكم الالتزام بواجباتكم تجاه شعبكم قبل أن يلعنكم التاريخ". وفي غزة عبر المهندس الفلسطيني خالد الزيني، عن غضبه الشديد على الجيش الإسرائيلي، عقب مشاهدته المقطع الذي ظهرت فيها الطفلة التميمي، قائلاً خلال حديثه ل"اليوم": "ليتخيل المسؤول الفلسطيني أن تلك الطفلة طفلته، ماذا سيفعل حينها، لذا يجب وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع من يقتل أطفالنا". واستكمل الزيني: "على المقاومة بغزة والضفة أن تضرب الإسرائيليين ضربة موجعة حتى يكفوا جنودها عن ممارساتهم"، مبيناً أن دماء الأطفال يجب أن تكون عاملا موحدا للفلسطينيين ضد الاحتلال. وأكد أن المرحلة تتطلب وحدة الصف، عدم التعويل على المجتمع الدولي في إعطاء الفلسطينيين حقوقهم أو الضغط على إسرائيل لوقف جرائمها.