انخفضت أسعار النفط في العام 2015 نحو 35 بالمائة، وخلال الشهر الأول من هذا العام (2016) انخفضت 15 بالمائة. وليس واضحاً إن كانت السوق النفطية ستلملم أوضاعها لتحد من تراجع الأسعار. لكن يبدو أن تلك "اللملمة" ستأخذ وقتاً. ولذا فملائم أن نلتفت إلى تنويع الاقتصاد وتنمية الإيرادات غير النفطية!.ماذا عن الاقتصاد العالمي، وهل يحمل العام 2016 في ثناياه كساداً اقتصادياً للعالم؟ هناك من يعتقد ذلك، لكن صندوق النقد الدولي يتوقع نمواً للاقتصاد العالمي قدره 3.4بالمائة، ومع ذلك فلدى الصندوق تحفظات تحيق به: 1.الصين، 2.انخفاض أسعار السلع الخام وتأثير ذلك على اقتصادات المنتجة، 3.اقتصادات منهكة وبالأخص روسيا والبرازيل، 4.التأثير السلبي لرفع سعر فائدة الدولار وأوربا واليابان ما برحت تنفذ برامجاً لحفز اقتصاداتها. نحن، حسب التصنيف السابق من جماعة السبب الثاني، فنحن نبيع نفطاً خاماً وتراجع سعره أثر ويؤثر على اقتصادنا دون شك نتيجة لعلاقة تقوم على الاعتماد على النفط نمت وترعرعت على مدى أكثر من جيلين. صندوق النقد الدولي عدل توقعات نموه للاقتصاد السعودي إلى 1.2 بالمائة للعام 2016، و1.9 بالمائة للعام 2017؛ إذ من المتوقع ان تبقى أسعار النفط تُعاني نتيجة لضعف الطلب العالمي. الأجندة الحكومية للتعامل مع الوضع واضحة، وقد تزامن الإعلان عنها مع ميزانية العام المالي الحالي، وتتكون من نقاط محددة عددها 14 نقطة، لكنها لا تتطرق للكيفية التي ستتعامل مع توجهها للاعتماد - تصاعدياً - على الإيرادات غير النفطية. لقد تمكنت الخزانة بالفعل من زيادة الإيرادات غير النفطية في العام 2015 إلى 163.5 مليار ريال مرتفعة من 126.8 مليار ريال للعام 2014، ويلاحظ من البيانات الرسمية أن حصيلة ضريبة الدخل بلغت 14 مليار ريال، وهي ضريبة تطبق على المستثمرين المقيمين وغير المقيمين. وبافتراض – تعوزه الدقة - أن تلك الحصيلة تمثل اقتطاع 20 بالمائة من صافي الربح، تكون قيمة الأرباح 70 ملياراً، وبافتراض – تعوزه الدقة كذلك - أن متوسط صافي الربح يمكن تقديره عند 20 بالمائة من المبيعات، فتكون قيمة المبيعات 350 مليار ريال، أي نحو 14 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2015 بالأسعار الجارية (قيمتهُ 2.450 ترليون ريال وفقاً للإحصاءات الرسمية). وتقدر بعض المصادر في الغرف التجارية السعودية حجم قطاع التجزئة بحدود 170 مليار ريال، في حين تُقدره وزارة العمل بحدود 200 مليار ريال. وبناء على دراسة أكاديمية للدكتور فاروق الخطيب، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز، فإن حجم التستر في المملكة قد يصل إلى 25 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي (أي قرابة 600 مليار ريال)! النقطة هنا: لماذا لا تُجبى الضريبة المستحقة (والتي لم تُدفع) على الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها "المستثمرون" الأجانب بطريقة غير مشروعة، والمتستر عليها من قبل سعوديين؟ قد تجلب الضرائب المتهرب من دفعها للخزانة العامة دخلاً يُضاعف الحصيلة المتحققة من ضرائب الدخل، لتصبح 28 مليار على أقل تقدير. فالوافد المتُتَسَتَر يتوجب عليه دفع ضريبة للخزانة العامة، لكنه يتهرب، ولا بد من أن تقوم الأجهزة الحكومية المعنية بتتبع المتهربين وجباية ما عليهم من أموال مستحقة للخزانة، وبعدها يُعدلون أوضاعهم لتصبح نظامية. واستدراكاً، فلا بد من الإشارة إلى أن وزارة التجارة هي الجهة المعنية بضبط حالات التستر والتعامل معها، لكن النقطة هنا: تحصيل ما فات على الخزانة العامة من ضريبة دخل نتيجة لتهرب الوافد (عبر لجوئه للتستر)، فالعقوبة المالية القصوى التي ينص عليها نظام التستر لا تتجاوز المليون ريال. وتجدر الإشارة أن عدد المنشآت الاقتصادية التي تدفع ضريبة الدخل حالياً لا تتجاوز تلك المرخصة وفقاً لنظام الاستثمار الأجنبي باعتبار أنها مملوكة بالكامل لأجانب أو بالمشاركة مع سعوديين، أما المنشآت المتستر عليها فلا تدفع أي ضريبة لمصلحة الضرائب، فيما عدا الإتاوة التي تدفعها للمواطن الذي "يؤجر" لها سجله التجاري، ليحرم بذلك الخزانة العامة من حقوقها. وإذا نظرنا إلى تحويلات الوافدين في العام 2015 المنصرم، والتي تُقدر بنحو 158 مليار ريال، متصاعدة من 153 مليار في العام 2014، بنمو قدره 3 بالمائة، أي ما يوازي نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة! وأخذاً في الاعتبار الضغط الهائل الذي يعايشه الميزان التجاري، فقد تراجع بأكثر من 65 بالمائة خلال العام 2015، نتيجة لتراجع قيمة صادرات النفط، وتصاعد الواردات. وتحويلات الأموال للخارج من المواطنين والوافدين- إلى أن يحقق الحساب الجاري لميزان المدفوعات (تعاملات الاقتصاد الداخلة والخارجة من وإلى الاقتصادات الأخرى كافة) عجزاً قدره 155 مليار ريال في العام 2015، مقارنة بفائض قدره 288.4 مليار ريال في العام 2014، أي أنه تراجع بأكثر من 443 مليار ريال في 12 شهر. وبناءً على ما سبق، أعود للنقاط الأربعة، وتحديداً الفقرة (ل)، والتي نصها: "مراجعة مستويات الرسوم والغرامات الحالية، واستحداث رسوم جديدة، واستكمال الترتيبات اللازمة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة التي أقرها المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته السادسة والثلاثين التي عقدت في الرياض في شهر صفر 1437ه، بالإضافة إلى تطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية والسلع الضارة كالتبغ ونحوها." حيث لم تتطرق الفقرة (ل) لنقطتين: 1.تتبع جباية الضرائب المتهرب من أدائها نتيجة لممارسة "التستر الاقتصادي" من قبل تآزر بين وافدين ومواطنين لتفويت دخل مستحق للخزانة العامة. يقدر بعدة مليارات، 2. تضييق العجز في الحساب الجاري، الذي يمثل محصلة تعاملاتنا الخارجية، فقد انهى العام 2015 بعجز قدره 155 مليار، ولا بد من التعامل بسرعة وحصافة مع هجرة رؤوس الأموال وتحويلات الوافدين من خلال وضع سياسات إيجابية توازن بين مصلحة الاقتصاد المحلي والحق في تحويل رؤوس الأموال.