تهيأت جميع الظروف لحدوث أزمة مالية في الصين. حيث ان العملة آخذة في التراجع، وإن تم تركها للسوق، من المرجح أن تنخفض بشكل أكبر من قبل. وسجلت التدفقات الرأسمالية الخارجة مستويات قياسية. كما أن الاحتياطيات في تراجع. وعمليات البيع الكبيرة في بورصة شنغهاي عملت على خسارة جميع المكاسب التي تحققت من خلال اندفاع عام 2015. وقد بدت القيادة، التي عادة ما تتلقى الثناء لحصافتها، في بعض الأحيان بأنها مشوشة بشأن ما يجب عليها القيام به. إن مثل هذه المجموعة السيئة من المتاعب يمكنها بسهولة إسقاط العديد من الاقتصادات الناشئة. حيث يمكنها التسبب في انهيار المصارف وتبخر النمو، وحتى حدوث الإعسار على مستوى الدولة. مع ذلك، حتى الآن، تجنبت الصين مثل هذا النوع من الانهيار المالي القريب جدا والذي تعرض له وول ستريت في عام 2008، وما تعرضت له تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية في عام 1997. في الواقع، هنالك حجة قوية في أن الصين لن تتعرض لمثل هذا الوضع أبدا. ذلك أن الدولة تمارس قوة هائلة على كل شيء بدءا من تحركات رأس المال إلى النظام المصرفي بحيث ان صناع السياسة ربما يكونون قادرين على منع ثاني أكبر اقتصاد في العالم من أن يفقد توازنه. لكن حتى وإن لم تُظهِر الصين الدلائل المعروفة على الأزمة المالية، فإن هذا لا يعني أن بإمكانها تجنب الألم من حدوث أزمة. بغض النظر عن الدعامات التي قد يعتمد عليها البيروقراطيون في الصين، لا يمكن للدولة أن تتهرب للأبد من العواقب الاقتصادية لمشاكلها المتجذرة. أولا، ربما يتعين على الصين تحدي عقود من التاريخ لتجنب التعرض للانهيار بسبب جبل الديون المتراكمة عليها. حللت شركة البحوث (كابيتال إيكونومكس) 30 عاما من أزمات الأسواق الناشئة وخلصت إلى أنه «كل دولة شهدت زيادة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي الخاصة بها بنسبة 30 نقطة مئوية في غضون عقد من الزمن كانت تتعرض للمشاكل». في أحسن الأحوال، عانت مثل هذه البلدان من تباطؤ كبير، وغالبا ما كان يطول، في النمو. وقد شهدت الصين قفزة بنسبة 80 نقطة مئوية في تلك النسبة خلال العقد الماضي، لتصل إلى أكثر من 200 بالمائة. ويبدو أن يوم الحساب أمر لا مفر منه. تتزايد احتمالات انفجار قنبلة الدين المذكورة، لأن الحكومة، بدلا من نزع فتيل هذه القنبلة، تعمل على زيادة تفاقم الوضع. وبسبب خوف البنك المركزي من التداعيات السياسية جراء الاقتصاد المتباطئ، كان يعمل على تسهيل الحصول على المال، ونمو الائتمان آخذ في التسارع. في الوقت نفسه، يبدو الأثر التحفيزي لهذا الطوفان المتجدد في الإقراض بأنه قد توقف، وهذه دلالة أكيدة على أنه يجري استخدام النقد الجديد بطريقة غير مثمرة. وهذا يعني أن ثقل عبء الديون المفروض على كاهل الصين سوف يستمر في الازدياد والضرر الحتمي سيكون حتى أكبر. ولا يبدو من الممكن للصين تجنب التقليص الضخم في حجم في الصناعة لديها. حيث ان الشركات الصينية تصنع ببساطة أكثر من اللازم من الصلب والفحم والاسمنت وغيرها من المواد، بغض النظر عن عدد الطرق والسكك الحديدية التي تبنيها الحكومة في الداخل وفي الخارج. وهذه الحقيقة أخذت تستقر في الأذهان شيئا فشيئا. إذ أعلن مجلس الدولة في أواخر يناير عن أنه قد يسَرِّع في القضاء على القدرة التصنيعية للصلب، وهذه خطوة يعتبرها المحللون ضرورية ولازمة لإصلاح القطاع. لكن التكلفة ستكون كبيرة. تشير تقديرات «معهد البحوث والتخطيط في قطاع الصناعة المعدنية» في الصين إلى أن التخفيضات قد تتسبب في تسريح 400 ألف عامل في صناعة الصلب. الآن، تخيل أن عمليات التسريح تلك تكررت في أنحاء الصناعات التحويلية القديمة. كل تلك المشاكل سوف تظهر في النهاية في الميزانيات العمومية للبنوك. رسميا، تدعي الحكومة أن التباطؤ عمل بالكاد على تراجع استقرار البنوك الصينية، مع وجود قروض غير مسددة بنسبة 1.6 بالمائة فقط من المجموع الإجمالي. إذا كنت تصدق هذا، فلدي بعض القروض العقارية الضعيفة لأبيعها لك. التقديرات الخاصة تشير إلى أن النسبة المحتملة للقروض غير المسددة (الخاملة) تقع ما بين 7 إلى 20 بالمائة. وهذا لا يعني بالضرورة أن المصارف سوف تنهار على غرار ما حدث مع بنك ليمان. فحيث انها مدعومة من الدولة، يكاد يكون من المؤكد أنه سيجري إنقاذها. لكن ينبغي على صناع السياسة الاستعداد لصدمة أكبر. وحسب أحد التقديرات، قد يصل ثمن دعم المصارف إلى 7.7 تريليون دولار- أو ما يعادل ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014 في الصين. ربما تبدو مثل هذه الأرقام شنيعة، لكن يخبرنا التاريخ بأنها ليست كذلك. بلغت تكلفة إنقاذ المصارف في إندونيسيا ما يقارب 57 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، في حين أنفقت كوريا 31 بالمائة. إذا قمنا باستقراء تجربة كوريا - التي لا تعد تجربة غير معقولة، لأن الدولة كانت قد اعتمدت نموذج نمو مماثلا يقوده الاستثمار- قد ينتهي الحال بالصين إلى أن تنفق ما يقارب 3 تريليونات دولار في إعادة بناء نظامها المصرفي. ربما يعتقد أسياد بكين أن الحفاظ على النمو بعيدا عن تلك المشاكل سيحل مشاكلهم. الأمر الأكثر احتمالا، أن تأخير الخيارات الصعبة سيجعل الضرر والتكاليف التي سيتعرض لها النمو المستقبلي أكبر. أطلق على مشاكل الصين أي اسم يحلو لك، لكن في النهاية، لا تزال الأزمة مهما كان اسمها تبدو سيئة جدا.