قال اقتصاديون مختصون في المجال الصحي إن ارتفاع فاتورة داء السكري وانتشاره بين المواطنين في المملكة بحاجة إلى إصلاح شامل للقطاع الصحي لتخفيض هذه الفاتورة وكل الفواتير، دون التأثير السيىء على المستوى الصحي للمجتمع، وذلك بعدة إجراءات دون التأثير على حاجة المريض للعلاج. واقترحوا ل «اليوم» ضمن الملف الشهري الرابع عشر «السكري.. القاتل الصامت!»، إنشاء مجلس أعلى للصحة ينسق بين كل الجهات الصحية في المملكة ويوحد الجهود ويخفض الكلفة ويرفع الكفاءة ويصنع الممارسة السعودية الطبية الموحدة، ووضع خطة طويلة الأجل لمواجهة السكري تشترك فيها جهات حكومية وخاصة، وتغيير السلوك ووضع الأنظمة مثل الإلزام بالأغذية الصحية في المقاصف المدرسية وبناء مركز طبي وطني عملاق خاص بالسكري. وأشاروا إلى أن نسبه الإصابة بمرض السكري في المملكة وفق بعض الإحصائيات وصلت إلى 28 في المائة، التي تعتبر فوق المعدلات العالمية، مما يستنزف جزءا كبيرا من ميزانيات الصحة لهذا المرض، ويستوجب حلولا وقائية مدعومة بالتخطيط السليم والتوعية المتخصصة عبر العديد من مراكز الرعاية الأولية المنتشرة، والتكامل مع جميع القطاعات المعنية، مطالبين بعودة الأطباء إلى عياداتهم وغرف عملياتهم التي تدربوا وتعلموا فيها وترك الأعمال الإدارية للإداريين. في البداية، قال الدكتور مسفر بن عتيق الدوسري أستاذ اقتصاديات الصحة واقتصاديات التنمية المساعد بجامعة الملك سعود: «يجب خفض تكاليف مرض السكري خاصة في ظل اتجاه وزارة الصحة إلى ترشيد الإنفاق والخصخصة والتوسع في التأمين الصحي، ويجب ألا نتوقع حلولا خارقة للعادة وفي مدة وجيزة؛ لأن مثل هذه القضية بالغة التشعب وتحتاج إلى جهود منظمة لجهات كثيرة، كما تحتاج إلى وقت وتخطيط وفق المنهج العلمي، وإن كان ترشيد إنفاق وزارة الصحة معناه خفض الإنفاق على الأمراض الخطرة والمزمنة ومنها السكري، فهذا معناه تفاقم المرض وزيادة معدلات الإصابة به وتفشي مضاعفاته، خاصة وأنه قد وصل إلى ما يشبه الوباء الذي أصاب ربع أو ثلث المواطنين، ويكون وضعه وضع النار المشتعلة، التي يتزايد اشتعالها في حين أننا نسعى إلى تقليل رجال الإطفاء وكميات المياه وبودرة الإطفاء». وأضاف: هناك خدمات طبية ضرورية وأخرى حاجية وثالثة كمالية، فالترشيد الصحيح تُقلص فيه الخدمات الكمالية ولا تمس الضرورية بحال من الأحوال، لأن الترشيد أو غيره من السياسات الطبية لا بد أن يكون واضح الهدف وتُدْرس آثاره على الهدف سلباً أو إيجاباً كمعيار لإقراره، فعلى سبيل المثال بريطانيا عندما قلّت مواردها الطبية قامت بترشيد الإنفاق عن طريق التوقف عن الإنفاق على أي إجراء طبي ليس له سند علمي ولا برهان على فاعليته ومساهمته المؤكدة في شفاء الأمراض ورفع المستوى الصحي». وأضاف الدوسري: بالنسبة للخصخصة من ناحية تحقيق الأهداف الوطنية الصحيحة، سواء الصحية أو غيرها من المجالات، لابد أن ننتبه إلى أنه ليس كل شيء قابل للخصخصة لئلا يفشل في تحقيق أهدافه أو يقود إلى عكسها، نعم الخصخصة قد تكون نافعة اقتصادياً لبعض القطاعات ولكن القطاع الصحي ليس منها؛ ويعود ذلك لأن أهداف القطاع العام الصحية قد تختلف جذرياً عن أهداف القطاع الخاص، التي تكاد تنحصر في تحقيق أعلى الأرباح، وهو هدف مشروع إلا إذا حدث تعارض المصالح بين مصلحة التاجر أو المستشفى ومصلحة المستهلك أو المريض، حينها تضيع مصلحة الأضعف، خاصة في ظل ضعف القدرات الفنية والرقابية لوزارات الصحة، والخصخصة في أبسط معانيها (رغم أن لها مستويات مختلفة وأنواع) هي بيع مستشفيات وزارة الصحة ومراكزها الصحية إلى القطاع الخاص ليستثمر فيها ويحصل على الأرباح، وعندها، ما الذي عادة يحدث؟ أول ما يحصل هو تغير الأهداف، فهدف تقديم الخدمات الطبية لا يكون هو رفع المعاناة وتحسين المستوى الصحي للناس، الذي هو هدف القطاع العام، بل يصبح تحقيق أكبر ما يمكن من الأرباح. واستشهد بمثال قائلا: لو باعت وزارة الصحة مدينة الملك سعود الطبية (الشميسي العملاق) إلى القطاع الخاص، فسيحدث التالي: ستغلق عيادات ويتخلى عن أجهزة بل وأطباء ليس بناء على معايير الكفاءة الطبية ومصلحة المريض، بل بناء على معيار عدم مساهمتها في تعظيم الأرباح مقارنة بالعيادات والأطباء والأجهزة الطبية الأخرى. ولنتصور ما الذي يمكن أن يحدث، انظر إلى الخدمات بل الأجهزة والعيادات المتوفرة في مستشفيات ومراكز القطاع الطبي الخاص، فقد تجد عملية قلب مفتوح ولا تجد تطعيما لشلل الأطفال، لأن الأخير لا يحقق أرباحاً مجزية مقارنة بالتكاليف، ولو حصلوا عليه مجاناً من وزارة الصحة وسمح لهم بالتكسب من ورائه. ألم تلاحظوا أن القطاع الصحي الخاص لا يهتم بالطب الوقائي ولا التوعية ولا التأهيل الطبي ولا الرعاية طويلة الأجل ولا الأمراض العقلية.. الخ؛ لانخفاض الربح فيها، ومن أراد دليلاً آخر على تعارض هدف المريض والدولة مع أهداف القطاع الخاص فليذهب إلى أقرب شركة تأمين صحي ليؤمن على والدته إذا كانت تبلغ من العمر 70 عاماً ومصابة بالسكري، وليتأمل قيمة القسط السنوي الذي سيطلبونه». وتابع حديثه قائلا: القطاع الخاص ممثلاً بمستشفياته ومراكزه وشركات التأمين الصحي يربط بين الحصول على الخدمة الطبية وبين دخل المريض، وبالتالي يوجِد الطبقية والتمييز ضد الفقراء، خاصة وأن المرض لا يفرق بين الفقير والغني، بل إن كثيراً من الأمراض ترتبط بالفقر، وعادة لا تجدي البرامج الخاصة بإعانات الفقراء في تخفيف هذه المشكلة. وأردف: يكفي أن تدرس الوضع الصحي للمجتمع الأمريكي، فتلاحظ أن أكثر من 70 مليوناً لا يحصلون على خدمات صحية حقيقية رغم الموارد الاقتصادية الهائلة، وذلك لأنهم اعتمدوا بشكل أساسي في تقديم وتمويل الخدمات الطبية على القطاع الخاص والتأمين الصحي، والخدمات الصحية ليست شيئاً كمالياً اختيارياً يمكن ربطه بمستوى دخل الفرد، بل هو في كثير من الأحيان مسألة حياة أو موت لا يمكن أن يترك مجالاً للعرض والطلب والأرباح والخسائر، فإذا لم يمكن لأي سبب تقديم الخدمات الطبية عن طريق القطاع العام، فإن البديل المناسب هو القطاع الخيري وليس القطاع الخاص، ليبقى الطب مجالاً إنسانيا تكافلياً لا يبتز فيه الضعيف ولا ترهق فيه ذمم الأطباء، وليذهب التجار ليبحثوا عن الأرباح في أمكنة ومجالات أخرى بعيدا معاناة الناس وآلامهم. واسترسل: إن الخدمات الطبية والصحية لها خصائص لا بد من أن ننتبه لها جيداً خوفاً على الأهداف أن تنعكس، وليُدعم القطاع الخيري وتقام له الأوقاف ليبني مركزاً طبياً في كل قرية وحارة ومستشفى أو أكثر في كل مدينة، فقد ثبتت كفاءته في رفع العائد وخفض التكاليف خاصة في المجالات الإنسانية، وخاصة مع جود تعاطف كبير من قبل الناس مع كثير من المرضى مما يجعلهم على استعداد للبذل من أجل رفع معاناة الآخرين، وخاصة في المجتمعات المسلمة الطالبة للثواب، فإذا كانت أهداف القطاع الصحي واضحة في أذهاننا جيداً، فإن القطاع الخاص إذا استلم الخدمات الطبية تقديماً وتمويلاً خاصة في ظل التأمين الطبي، فإنه يخفض العرض ويخفض الطلب ويخفض الجودة ويرفع الأسعار والتكاليف الطبية، وكل هذا قد ثبت بشواهد في مختلف مناطق العالم، ولكن البعض ما زال يصر على اختراع العجلة من جديد». وأبان: «هناك خصائص للخدمات الطبية التي تجعلها لا تناسب القطاع الخاص الباحث عن تعظيم الأرباح، وإذا قدمها ومولها فإن المجتمع لا يحقق أهدافه الصحية ويحصل على أقل كماً وكيفاً مما يحتاج إليه من الخدمات الطبية، فتتميز الخدمات الطبية من الناحية الاقتصادية بطبيعة خاصة، ومن ثَم فهي تتطلب معاملة خاصة، فلا يمكن أن تُعامل مثل السلع والخدمات الأخرى، وعليه فلا يمكن أن يكون الربح والخسارة هما المؤثران في توفير هذه الخدمات الإنسانية، وإلا تمكن أصحاب الأموال من ابتزاز الفقراء في حالة مرضهم وضعفهم، وأهم نقاط تميز الخدمات الطبية أن الخدمات الطبية في جملتها ليست شيئاً كمالياً من شاء أخذه ومن شاء تركه، فهي ليست عطوراً أو أدوات تجميل ولا سيارات أو ما شابهها، والناس عادة يأتون إلى الخدمات الطبية في حالة الاضطرار، فقد يأتي الشخص وهو يحمل بين يديه طفلاً فاقداً للوعي، أو امرأة تنزف أو مريضاً مرضاً مزمناً متعباً، فهو أقرب ما يكون إلى حالة الإكراه والإلجاء التي تجعله الطرف الأضعف في عملية المبادلة». وتابع الدوسري: «العلاج مليء بالظنون والتجارب. فعلم الطب علم مليء بالغموض في النتائج وعدم الدقة، فمثلاً في بريطانيا عندما قالوا إننا لن ندفع إلا مقابل ما هو ثابت علمياً من أنواع العلاج، وجدوا أن غير الثابت علمياً يصل إلى حوالي 76% من بعض الممارسات الطبية.. أنت لا تعرف هل نقودك التي ذهبت - مهما كثرت - ستعطيك نتيجة أم أنها لن تعطي نتيجة، وخاصة أن الأطباء يأخذون مقدماً وليسوا محاسبين على نتائج أعمالهم، وليس هناك ضمان لا على الجودة ولا على النتيجة، فالأمر ليس مثل ما يحدث عندما تشتري سيارة حيث يعطونك ضمانا لمدة أربع أو خمس سنوات، كما يعطونك صيانة، فأنت تحصل على سلعة منضبطة المواصفات، أما في الطب فليس هناك أصلاً تجانس في المخرجات. وأنت ذاهب إلى الطبيب لا تدري إلى أي شيء سينتهي الأمر، فقد يقول لك أنت مجهد اليوم اذهب إلى البيت وارتح، وغداً بإذن الله ستنهض مثل الحصان، أو قد يقول لك لا تستطيع الرجوع إلى بيتك يجب أن تدخل إلى غرفة العمليات الآن لإجراء عملية كبرى.. وتأتي قضية كبيرة أخرى وهي أن المريض يذهب طالباً للخدمة الطبية من خلال شخص آخر هو الطبيب الذي يقوم بتحديد نوع الخدمة، فيطلب نيابة عنه وهذا الطبيب نفسه هو من سيقوم بالبيع أيضاً في الوقت نفسه، فهو يقوم بدور مزدوج يشتري بالوكالة عن المريض ويبيع أصالة عن نفسه، فإذا كان للطبيب أهداف أخرى أو تعارضت مصلحته الخاصة مع مصلحة من سيشتري نيابة عنه وسيبيع له أصالة عن نفسه في وقت واحد، أو حين لا يكون هناك نظام صارم يحدد له الحدود التي يعمل في نطاقها ويحمي المرضى، وهو أمر بالغ الصعوبة فإن أموال الناس وربما حياتهم تصبح معرضة للخطر». واستفاض في الحديث قائلا: لك أن تتخيل شخصاً يذهب إلى صاحب معرض سيارات ليقول له اختر لي السيارة التي تشاء ثم أخبرني عن المبلغ الذي يجب عليّ دفعه ثمناً لها، أليس هذا هو بالضبط ما يفعله الناس عندما يذهب أحدهم إلى الطبيب فيقول له من ماذا أعاني؟ ثم يستسلم للعلاج، ليتفاجأ بحجم التكاليف عندما يرى الفاتورة الجاهزة للدفع ليدفع بلا نقاش، وأما إن لم يكن قادراً على الدفع فهذه قصة أخرى تطول، والاقتصاديون يعلمون أنه من ضمن النظريات القديمة للمدرسة الكلاسيكية وهي إحدى المدارس الاقتصادية أن هناك نظرية تقول: إن العرض يولد الطلب Supply Creates Demand، ومعناها اعرض ما شئت فسيطلبه الناس وقد ثبت عدم صحة هذه النظرية بعد الكساد الكبير منذ الثلاثينيات الميلادية من القرن العشرين، ولكن لسوء الحظ ما زالت هذه النظرية عملياً صحيحة في القطاع الطبي، ولهذا كلما توسع القطاع الطبي كلما زاد الطلب على خدماته، فكلما أنشأت أسرة مستشفيات جديدة سرعان ما تملأ، أما لماذا؟ فلأن الذي يطلب هو الذي يعرض، فإذا فقدنا الثقة فيه أصبحت مشكلة خطيرة نتيجة لتعارض المصالح الاقتصادية وغيرها. وأبان: بسبب هذه الطبيعة الخاصة للخدمات الطبية اهتم البشر منذ أقدم الأزمنة بالجانب الأخلاقي في مهنة الطب، فعمدوا إلى تدريس أخلاقيات تلك المهنة للأطباء وأصبحت جزءاً من متطلبات ممارسة المهنة، ولا نجد غالباً أخلاقيات المهنة تدرس إلا للأطباء؛ وذلك لأن الطبيب في حقيقة الأمر مؤتمن على أموال الناس ودمائهم بل وأعراضهم، فإذا لم يكن موضع ثقة حقق من وراء عمله مصالحه الخاصة على حساب أموال الآخرين ودمائهم وربما أعراضهم، والفقر وتدني مستوى الدخل هو أحد أهم عوامل المرض والحاجة إلى الخدمات الطبية، فلا يمكن ربط الحصول على الخدمات الطبية بالدخل، وإلا أدى ذلك إلى مآس ومعاناة، وهذه نقطة مهمة بالنسبة للتأمين، أنت لا تذهب وتشتري عطراً وتقول أنا مضطر للعطر لأنه كمالي، ولكن أنت تذهب وتطلب الخدمة وأنت مضطر وفي حاجة لها، وإذا ربطنا حصولك على الخدمة بقدرتك على الدفع تضررت «فئة الفقراء» لأن الفقر أصلاً أحد أهم أسباب المرض، ومن أجل ذلك وغيره من الخصائص يرى الكثيرون أنه يجب معاملة الخدمات الطبية معاملة السلع والخدمات العامة من حيث تدخل الحكومات لتوفيرها والإشراف عليها، لأن القطاع الخاص لا يمكن أن يوفر احتياجات المجتمعات كماً وكيفاً، خاصة وأنها من المتطلبات الأساسية الضرورية والتي ينبغي أن تكون في مقدمة ما ينفق عليه المال العام». وقال الدوسري: «ما يمكن أن يفعل لتخفيض فاتورة مرض السكري وغيره من الأمراض، بداية نحتاج أن نتذكر أن مرضى السكري يحتاجون أيضا إلى طب الجراحة وطب العيون وطب المسالك والكلى.. الخ، وهذا معناه أن الأمر يتطلب إصلاحا شاملا للقطاع الصحي لكي نخفض ليس فقط فاتورة السكري بل كل الفواتير دون التأثير السلبي على المستوى الصحي للمجتمع، ولهذا الأمر يحتاج إلى مجلس أعلى للصحة ينسق بين كل الجهات الصحية في المملكة يوحد الجهود ويخفض الكلفة ويرفع الكفاءة ويصنع الممارسة السعودية الطبية الموحدة التي يدرب عليها كل العاملين في القطاع الصحي بغض النظر عن من أين أتوا، ويرسم المناهج والإجراءات والمعايير ويدرب عليها ويحدد الأولويات الإنفاقية حسب الخطورة والأهمية. ويحدد مواصفات من يستحق العمل في القطاع الصحي المهنية والأخلاقية أسوة بالأمم الأخرى». وأشار إلى أهمية وجود خطة طويلة الأجل لمواجهة السكري وغيره تشترك فيها جميع الجهات التعليم والتجارة والبلديات والشؤون الإسلامية والإعلام للتوعية وتغيير السلوك ووضع الأنظمة، مثل الإلزام بالأغذية الصحية في المقاصف، وإدخال المناهج، وضبط دخول الأدوية والأغذية، وتوحيد الإجراءات الطبية، فلربما كان سبب هذا الوباء مادة غذائية أو كيميائية أو تلوث بيئة.. الخ. وأضاف: لا بد من مواصلة البحث العلمي لمعرفة الأسباب الحقيقية ثم مواجهتها على كافة الأصعدة ومن ثم اختيار أفضل البدائل والحلول، وبناء مركز طبي وطني عملاق خاص بالسكري وفي مستوى مدينة طبية، يحوي كلية للتعليم والتدريب ومركز أبحاث ضخما ومستشفى، وليكن الأكبر على مستوى العالم؛ لأننا الأكبر في حجم هذه المشكلة. ولنتذكر أنه لن يحل مشاكلنا إلا نحن، وأن يعود الأطباء كلهم إلى عياداتهم وغرف عملياتهم التي تدربوا وتعلموا فيها، وأن يتركوا العمل الإداري والاقتصادي الذي جعل الطبيب في القطاع العام يحصل على كامل راتبه المرتفع مقابل فحص ثلاثين (30) مريضاً فقط في الأسبوع، بينما الطبيب نفسه قد يفحص في القطاع الخاص ما يصل إلى مئات المرضى في الأسبوع، أليس هذا من الأسباب التي تجعل القطاع العام يشتغل بخُمُس (20%) طاقته وتكون المواعيد بالأشهر بل بالسنوات ولا يحصل المريض على الوقت والرعاية المستحقة ويرفع فواتير العلاج. وزاد: لا بد من العمل على تعليم وتدريب جيل من المتخصصين في الإدارة الصحية واقتصاديات الصحة، وتمكينهم من إدارة موارد وموظفي وأطباء القطاع الصحي، وقياس الأداء الطبي وفق المعايير الحقيقية للجودة وليس عن طريق عدد الأطباء والعاملين والأسرة والعمليات، كلا، بل عبر معدلات الوفيات ومعدلات الالتهابات والعدوى ومدة الشفاء ومدد انتظار المرضى ورضى المريض.. الخ، الكيف وليس الكم فقط، وتحليل فاتورة السكري الباهظة وتفاصيل بنودها للتأكد من خلوها من المبالغة والهدر وما لا يثبت علمياً. وقال عبدالعزيز راجح الشريف مستشار عميد كلية الاقتصاد والإدارة في جامعة الملك عبدالعزيز والمشرف على العلاقات العامة والإعلام بجمعية رعاية مرضى السكر الخيرية بجدة: «حكومة خادم الحرمين الشريفين تعمل على تحقيق الحزم في الإنفاق والتوأمة بين ما يتم صرفه على وزارة الصحة، حيث تتميز ميزانية وزارة الصحة سنويا بأنها من أكبر الوزارات تخصيصا للميزانية، وهذا يمثل صرفا كبيرا على الجوانب الصحية للمواطن، بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية الأخرى التي يتم صرفها من ميزانية الدولة، ووزارة الصحة بما تنفقه على المشاريع المختلفة، ومنها مشاريعها في المستشفيات العامة أو مشاريع البنية التحتية للدواء والارتقاء بمستوى الصحة العامة في مختلف القطاعات، ومرض السكري جزء من هذه المنظومة، وهم يتزايدون عاما بعد عام حتى بلغت نسبة الإصابة بمرض السكري في المملكة حوالي 28 في المائة، التي تعتبر فوق المعدلات العالمية، وهذه النسبة تعطينا أرقامن جلية وواضحة على التزايد في الإصابة بمرض السكري، وتزيد من تكاليف وزارة الصحة في علاج هذا المرض الذي يعتبر من الأمراض الصامتة في المجتمع السعودي، ومعظم المرضى يكتشفون صدفة إصابتهم بمرض السكري بعد فوات الأوان، لذلك تعمل وزارة الصحة من خلال إنشاء مراكز متخصصة لأمراض السكري ومراكز الرعاية الصحية الأولية التي تنتشر في أحياء عدة في المملكة المختلفة إلى تحقيق الكشف المبكر عن هذا المرض، ومحاولة التعايش معه في خلال الفترة العمرية للمريض، وهذا يعمل على تحقيق الجوانب الوقائية وتخفيف الأعباء الاقتصادية لتسهم في تخفيف التكلفة الثابتة لهذا المرض». وأضاف الشريف: «إذا ما علمنا أن هناك تكاليف يمكن تقسيمها إلى تكاليف ثابتة وتكاليف متغيرة، فالتكاليف الثابتة التي تتحملها الوزارة وتتمثل في الاستثمار في البنية التحتية، وفي المراكز الأولية، وهي تخدم مرضى السكري وغيرهم والتكاليف المتغيرة التي تتحملها وزارة الصحة بسبب زيادة أعداد مرضى السكري، وما يتبع ذلك من أمراض واعتلال لهؤلاء المرضى بحيث يعاني قسم منهم إعاقة بصرية أو عدم القدرة على العمل بسبب بتر الأطراف، وتأثير مرض السكري على القلب والأوعية الدموية، فهذه تكاليف لاحقة لمرض السكري، بسبب عدم الاهتمام الكافي لهذا المرض ومحاولة الوقاية منه عبر طرق مدعومة بالتخطيط السليم والتوعية المتخصصة عبر العديد من مراكز الرعاية الأولية المنتشرة في المملكة». وقال: وزارة الصحة عليها أن تعمل جاهدة على أن يكون هناك منظومة متكاملة لمراكز أمراض السكري تنتشر في كل مدن المملكة، وتخدم القطاعات الإسكانية بحيث تكون موزعة جغرافيا ومرتبطة عبر شبكة إلكترونية للقطاعات الصحية المختلفة، بالتعاون مع وزارة التخطيط، فهذه الوزارة عليها عبء كبير لمساعدة وزارة الصحة في اختيار الأماكن وتوفير الخطط المتكاملة اقتصاديا وتحقيق الكفاءة، وكذلك وضع خطة زمنية للوصول إلى التكامل بين هذه القطاعات لخدمة مرضى السكري، بالإضافة إلى أمراض أخرى يمكن متابعتها لأي مرض، والتكاليف تزداد عاما بعد عام، ولذلك يجب أن تنظر المملكة إلى محاولة وجود نوع من التأمين الطبي للسيطرة والحد من انتشاره، والعمل من خلال برامج توعوية وتثقيفية للحد من آثاره السلبية وكبح الإنفاق الإسرافي، والتأكيد علي وجود برامج متخصصة دوليا ومحاكاة التجارب التي اتبعتها دول سبقتنا في هذا المجال، والعمل من خلال إنشاء مراكز بحثية، كما أن التعاون مع وزارة التعليم مهم كونها معنية بإعداد برامج تثقيف للطلاب في مختلف قطاعات التعلم العام والجامعي، مما سيسهم في الحد من آثاره السلبية على المجتمع، إضافة إلى السعي إلى خفض التكاليف الاقتصادية». في السياق ذاته، قال الدكتور صلاح بن سليمان الردادي رئيس المجلس الاستشاري بجمعية السكري الخيرية بالمدينةالمنورة: «وعي الفرد بضرورة الاهتمام بصحته واتباع نظام صحي يحميه من الأمراض بشكل عام والسكري بشكل خاص خصوصا أن هذا المرض مكتسب ويمكن تفاديه بالرياضة وبنظام غذائي صحي، حتى وإن أصيب به الفرد يمكنه تفادي مضاعفاته، وبالتالي تقل التكلفة في علاج المرض، كما أن لوزارة التجارة دورا كبيرا في تغيير النمط المعيشي للسكان، وذلك من خلال إلزام المطاعم بوضع السعرات الحرارية في قائمة الطعام مع وضع جدول يوضح احتياج الجسم من السعرات الحرارية، بذلك يكون المستهلك على علم باحتياجه والتخفيف من السمنة التي تعتبر أحد المسببات الرئيسية للسكري، وعلى وزارة الشئون البلدية والقروية تهيئة المكان المناسب لممارسة الرياضة، كما أن مؤسسات المجتمع المدني عليها جزء من المسئولية بتوعية وتثقيف المجتمع وليس لمرضى السكر فحسب بل في جميع المجالات الصحية. وتابع: من هذا المنطلق أخذت جمعية السكري على عاتقها العمل على تقليل عدد مصابي السكر بالمنطقة من خلال المبادرات التوعوية والتثقيفية بإقامة الفعاليات وإجراء الفحص المبكر في الإدارات الحكومية والمراكز التجارية، والتي يتواجد بها مختلف شرائح المجتمع إضافة إلى إقامة الندوات والملتقيات وورش العمل». من جانبه، قال الدكتور محمود بن عبدالفتاح نحاس المدير التنفيذي لجمعية السكري السعودية الخيرية بالمدينةالمنورة أستاذ الصحة العامة: بالفعل تشكل الأرقام للمصابين بالسكري في المملكة نسبة عالية وتؤرق المسؤولين على صعيد الإنفاق، وكذلك فيما يخص الصحة وسلامة الأجيال، لذلك يجب التركيز على الجوانب الوقائية ورفع الوعي الصحي لكافة فئات المجتمع وذلك من خلال برامج التوعية والتثقيف المعززة للصحة المجتمعية التي تحاكي شرائح المجتمع المختلفة وتعزز من إدراكهم لتلك المشكلات، والجمعية الخيرية للسكري فرع المدينةالمنورة وضعت على قائمة أولوياتها ومن خلال البرامج التي تقدمها للمجتمع برامج التثقيف الصحي وتعزيز الصحة لتسهم بفعالية في خلق مجتمع واع لكل تلك المشكلات وقادر بمشيئة الله على التغلب عليها، فبالوعي سنتمكن من تقليص تلك المصروفات بإذن الله وبنسبة كبيرة جداً. لعلنا نسهم في نهوض مجتمع واع ينعم بكل مقومات الصحة والعافية - بإذن الله. المشي بانتظام في الهواء الطلق يكافح كل الأمراض الجسدية والعقلية التوعية بالتغذية السليمة تستبق الأخطار الصحية يحتاج المختصون الصحيون إلى تدريب نوعي يحتاج القطاع الصحي إلى تأهيل الأطباء للإسهام في تثقيف المرضى للوقاية من مضاعفات السكري.. ويبدو في الصورة برنامج لتدريب أطباء الرعاية الأولية بالدمام