متى نبدأ مشروعنا في ترقية الذات؟ عندما نطرح مثل هذا السؤال فسنسمع إجابات مثل: "عندما تتحسن الظروف" أو "حين تتغير الأوضاع "، أو "مع بدء عام جديد" أو "في مواسم الخير القادمة"، وهذا شأن كثير من الناس فحياتهم مجرد ردود أفعال لما يسمونه (الظروف) وهم باختصار انفعاليون وليسوا فاعلين، وغالبا ما تكون حياتهم ضمن نطاق إدارة الكوارث Crisis Management، أي إنهم ينتظرون حتى تبدأ كارثة أو مشكلة بما كسبت أيديهم، ثم يسعون في طلب الحل بعدما يتفاقم الحال. لذا نحن بحاجة إلى بعث روح المبادرة Initiative، والأخذ بزمامها في الرقي بأنفسنا وتحسين أدائها، ولنضع نهاية لتقاعسنا وتسويفنا، وآن لنا أن نتحرك بين الأموات وأشباه الأموات!! المبادرة تعني في اللغة المسارعة إلى الشيء كما في لسان العرب، لكن مفهوم المبادرة ليس في سرعة الاستجابة فحسب، وإنما تعني المبادأة في صناعة الحدث بما يحقق هدفك الشخصي، فهي تجعلك دائما فعلا ولست رد فعل"ACTION NOT REACTION ". كما أن المبادرة لا تعني الاستعجال، بل تعني اتخاذ العمل الصائب والقرار الصائب في وقته المناسب. وترقية الذات إلى مستوى روح المبادرة دائماً ما يعزى إليه النجاح في كافة المجالات، فديننا يحثنا على المبادرة إلى التوبة واستباق الخيرات قال تعالى: «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» سورة آل عمران: 133، ودنيانا فرص ثمينة لمن يبادر إلى اغتنامها، من خلال الابتكار وتقديم الحلول المبدعة والخيارات المناسبة لمشكلاتنا في مختلف المجالات لاسيما في المجال الاقتصادي. يتفق معظم علماء الاقتصاد اليوم على أن روح المبادرة ضرورية لتحفيز النمو الاقتصادي وتأمين فرص العمل والترقي في وظائفها. كيف نكتسب روح المبادرة؟ إن التحلي بروح المبادرة له متطلباته في أقوالنا ومشاعرنا وأفعالنا: فمن جانب الأقوال علينا أن نراقب لغتنا اليومية لتغييرها من لغة الانفعال إلى لغة الفعل، وبهذا سنعيد برمجة العقل من جديد ونخطو خطوة نحو المبادرة. لغتنا هي مؤشر حقيقي للدرجة التي نرى بها أنفسنا كأفراد يمتلكون روح المبادرة. فاللغة التي يستخدمها الانفعاليون تضعف كاهلهم، كأن يقول "لا أستطيع"، "هذه طبيعتي ولن أتغيَّر" و "الآخرون يشعلون غضبي دائما". بينما لغة المبادرة: "دعنا ننظر الى الخيارات المتاحة لنا " و"أستطيع أن اختار طريقة مختلفة" و"أنا اتحكم بمشاعري" و "يمكنني ابتكار فكرة مختلفة". وجاء في القرآن «قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ» سورة الأنعام: 135. ومن جانب المشاعر نحتاج إلى تزويدها بحماس متدفق فهو بمثابة الوقود الذي يحرك المحرك، أو هو القوة الدافعة التي تساعدنا على تحقيق أهدافنا، ومقاومة المبررات المثبطة. ومما يقوي شغفك وحماسك أن تستحضر النتائج المرجوة كأنك تراها بعيني قلبك، فهذا يحرك فورة الحماس تجاه ما تتوقعه. وتذكر مقولة أنس بن النضر في معركة أحد: «الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد». عليك أن تتدرب على تبني رؤية خاصة بحياتك وتسليمها إلى من له القوة جميعا، وهذا يسمى بلغة الإيمان (التوكل الحق)، وهو توكل الطير تغدو خماصا وتروح بطانا. مصدر آخر للحماس في النظر إلى القدوة أو استحضارها «فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» سورة الأنعام: 90. أما الجانب الثالث وهو الأهم فهو المبادرة بالأفعال، فكثير من الفتن والمحن التي تواجهنا هي صناعة أيدينا بسبب الإهمال وتسويف العمل عن وقته المحدد، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل" رواه مسلم. ومن مواقف المبادرة أن قوما حفاة عراة قدموا إلى المدينة فتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة وسارع إلى دعوة الناس إلى إغاثتهم، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى جمعوا كومين من طعام وثياب، فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة، وقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء...". صحيح مسلم. في وسعك أن تتخلص من عادة التأجيل التي تمتص طاقتك وأحاسيسك ووقتك كما يقول (د.وليم كناوس) Dr. William J. Knaus أحد علماء النفس في كتابه: (افعل الآن!). واعلم أن انتصار الأمة هو حصيلة مبادرات أفرادها، فمتى تضيف مبادرتك إلى رصيد النصر؟