مما لا شك فيه أن تراجع أسعار النفط عالمياً وما وصل إليه الحال من تدن كبير، وبرغم ما تتمتع به المملكة العربية السعودية من إمكانيات ضخمة وهائلة، ما يحصنها عن وقوع أي انهيار في اقتصادها، إلا أن هذا التدني في الأسعار ينبغي أن يكون بمثابة ناقوس يدق في آذان المختصين وأصحاب الشأن الاقتصادي على وجه التحديد، ليس تحسباً لتدني الأسعار فحسب وانما تحسباً لكافة أسباب الابتزاز والضغط الدولي الذي دائماً ما يبرز للسطح ليجبر سياسات الدول لكي تسير وفقاً لما يُخطط لها لتحقيق مصالح قريبة المدى وضياع مصالح ضخمة وخطيرة على المدى الاستراتيجي البعيد. ومما لا شك فيه أن مسألة تدني أسعار النفط قد احدثت انشغالاً عاماً لدى كافة الأوساط إزاء المخاطر المحدقة بالاقتصاد الوطني جراء هذا الوضع على المدى البعيد. إن قطاع النفط في المملكة بكل ما يحمل من حيوية ومهما كانت قدرته على مقاومة مثل هذه الظروف والتي لا تزال عابرة ومؤقتة وكأني بها مصنوعة وليست حقيقية، إلا ان قطاع النفط يحتاج للمزيد من الاهتمام، ليس في ادارته فحسب من حيث تنقيبه واستخراجه وتسويقه وانما من باب استغلال دخوله استغلالاً يمكن من خلق بنيات أساسية على صعيد الإنتاج المستقل بكافة أنواعه كالقطاع الزراعي والقطاع الصناعي على سيبيل المثال، لكي تصبح للدولة قوة ذاتية تسيّرها عدة مصادر ولا تعتمد على مصدر أساسي واحد، وكان ينبغي ومنذ وقت مبكر أن يكون قد تمّ التأسيس لهذا الهدف وتم إنجازه بما يجعل المملكة أكثر تأميناً لمستقبلها الاقتصادي في زمن لا تزال الأمور تسير فيه على نهج البذخ والاستنزاف لموارد الدولة والتي ما فتئ النفط يُعد المصدر الأول ان لم يكن الأوحد في تمويلها، ومما لا شك فيه أن التراجع المتواصل لأسعار النفط يفقد المملكة فرص استمرار قوة مناعتها ويضعف مِنعتها المالية حيال أي ظروف قد تستجد، لذا لا بد من تدخل عوامل جديدة ومصادر رئيسة بديلة تجعلنا أكثر قوة على تحمل الصدمات متى ما حدثت بالرغم من أنها أي المملكة لا تُعد من بين البلدان التي تتأثر أثراً بليغاً من تقلبات أسعار النفط على المدى القريب بالرغم من الفاقد المالي المهول الذي يرجع جراء هذا التدني والذي قد اشارت له منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في تقرير لها صدر من قبل عندما توقعت حدوث انكماش للطلب العالمي خلال العامين المنصرمين منذ العام 2014م، وكذلك الامر عندما نبه صندوق النقد الدولي في تقرير له آنذاك، ان بعض الدول ستعاني من هشاشة في توازناتها الخارجية خاصة مع انكماش قطاع المحروقات أو تراجعه، مما يحتم ضمان مراقبة النفقات العمومية، على اعتبار أن سياسات الموازنة دورية تخضع لتقلبات الأسعار. وبالرغم من أن هذا التنبيه لم تكن المملكة العربية السعودية هي المعنية به بحسبان انها من الدول ذات الاقتصاد القوي الذي يتمتع بمناعة منقطعة النظير، وبالرغم من ذلك يظل الامر في حاجة الى التوخي وأخذ الحيطة والحذر ومن ثم العمل من اجل إيجاد مصادر اقتصادية ذات حيوية يكون لها القدرة على العمل في استقلال تام عما يصيب قطاع النفط من انتكاسات بسبب مغبّات الظروف وانحسارات الزمن، لهذا فلا بدّ من خطة محكمة تسير على نهج تحقيق بديل استراتيجي يجعل ميزانية الدولة في مأمن عن مخاطر العجز، وبما يجعل الدولة لها اكثر من ضمان بما يُكسبها ثقة عملائها والمستثمر الأجنبي على وجه الخصوص في الداخل والخارج، حتى لا تُضطر الى اللجوء لفرض الضرائب ورفع الدعم عن بعض المواد والسلع الاستهلاكية، ما قد يؤدي إلى الشعور بالضيق والتضيق على حياة ومعاش العامة من الافراد، ولتحقيق ذلك وتجنب حدوث أي مخاطر تُنبئ بالعجر فلا بد من اعداد خطط واستراتيجيات محكمة لتنمية الموارد غير النفطية وما أكثرها، ولا بدّ من اخذ هذه المسألة مأخذ الجد والمسؤولية القصوى في وقتٍ مبكر إذ لا تزال الظروف حتى الآن مقدورا عليها في سلاسة ويسر برغم كل ما يحدث امامنا ومن حولنا، فهلا قُرعت الاجراس قبل فوات الأوان..!!.