عندما تتعدد الأطروحات وتتنوع الحلول، تكون هناك رؤى متباينة بين هذا الكم من التحليلات لا يثبت منها إلا المستفيد من الأسس العلمية، فيتحقق منها مرتكزات تكون دعامة تعتمد لبناء صرح شامخ لا تهزه الريح، ويصمد أمام المتغيرات المتناوبة بتقلبات الظروف، ولا يستجيب لنتوءات طارئة حتمتها معطيات آنية لا يكتب لها الديمومة والثبات. من هنا يجب أن تكون حواراتنا مبنية على قواعد ثابتة نتعرف من خلالها على الأسباب التي أدت إلى وقوع الإشكالية التي أنتجت لنا ذلك الحوار المهم جدا لتشخيص الحالة. فاسمحوا لي أن أتطرق إلى الحوار الذي دار في ديوانية الدكتور أحمد العلي مع نخبة مميزة من المثقفين ورجال الأعمال، وكان محور الحديث عن الصحة وطموحاتها وتحدياتها والنوايا الطيبة والأطر التي ستسير عليها عملية التحول الوطني، والتي سيتبعها خطط لمشاريع مرسومة ويتم تنفيذها بغض النظر عن تغيير القيادات واستمراريتها، وكانت تلك هي ضالتنا سابقا وهي الاستقرار على خطة باستراتيجية تم تنفيذها بدقة وتم تقييمها وتطويرها. والكل يسأل كيف؟ ومتى؟ وأين؟ أسئلة لابد من الإجابة عليها، فالكيفية تكون بإعادة هيكلة القطاعات ومواءمة المهام مع الأهداف، بمعنى أن لا نشغل وزارة التعليم ببناء المدارس أو الصحة ببناء المستشفيات وكذلك التشغيل والصيانة والمشتريات للمعدات والأجهزة، بكل تفرعاتها الهندسية والميكانيكية والكهربائية والتقنية؛ لأنها تحتاج الى تخصصات ليست من مهام الوزارة، ولأن دورهم أكبر وهو إعداد الخطط والبرامج ومراقبة تنفيذها. أما متى، فهي تخضع لجدولة برامج المشاريع ومرحلية تنفيذها وتحددها القدرة والإمكانية، فلكل مجتمع تركيباته البيئية الاجتماعية والنفسية تحدد له مفاهيم وسلوكيات إنتاجهم وكلها قابلة للتطويع. أما أين، فهي ترتبط بالتوزيع الجغرافي للمشاريع في جميع التخصصات فنية وإدارية متخصصة ومهنية؛ لأن العملية تسير بشكل دائم ومستمر بخط متواز، كما لا يفوتني أن أنوه عن حاجتنا لمواءمة مخرجات التعليم للمتطلبات السوقية والاحتياجات العملية حتى نصل إلى حد الاكتفاء الذاتي من القوى العاملة المدربة والمتخصصة. وهذا جزء لا يتجزأ من معطيات المشكلة، فمتى ما عالجنا كل جزئية ألحقناها بالجزئية الثانية، وهكذا دواليك، أصبح لدينا كوادر تلبي الحاجة حسب الطلب المصمم سالفا. فلو أخذنا بالقياس ما أنجزته بعض المنشآت المتخصصة مثل مراكز التدريب في بعض القطاعات. هذه الأجهزة تصدت لمشكلة الإعاقات المحبطة بها بمبادرات مكنتها من الإمساك بمفاتيح الإنتاج، بالرغم مما يؤخذ عليها من الانفراط الذاتي دون تمكين القطاعات الأخرى المتشابهة معها في الخدمة من المشاركة في برامجها التدريبية أو التأهيلية، فهناك نقاط التقاء بينهم، يجب إيجاد الآلية التي تغذي هذه المشاركة لتوسيع دائرة الانتفاع. وبالطبيعة لن تكون هذه المراكز منافسة أو معطلة للدور الأكاديمي للجامعات، وإنما مكمل لها.. ولا ننسى أن ننوه بدور معهد الإدارة في إعداده لمجموعة من الدورات والندوات والحلقات التي تدخل ضمن التدريب على رأس العمل، وما زلنا نعقد الأمل على تفعيل برامجها وكذلك امتداد نشاطها ليشمل إعداد الخريجين لسوق العمل كما فعلت مع بعضهم لإعدادهم لمراجعة الحسابات والاستشارات لمدة سنتين، حسب الحاجة للتوجيه، فكل المطلوب هو توسيع هذا المنهج. أما عن دور المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وما لديها من نشاطات تأهيلية للكوادر، ولنا عليها عشم بإيجاد الآلية التي تلزم الآخرين بالتفاعل مع تلك المنشآت وتبقى عليها خطوة وهي التوجيه والإسناد لهذا الإنجاز حتى نصل إلى التغطية الكاملة لاحتياجاتنا وإنجازاتنا التنموية، التي أبرزت لنا قطاعات تفاعلت مع هموم مجتمعنا.