على الرغم من الصفقة النووية، يظهر سلوك إيران الأخير أنها أكبر تهديد من أي وقت مضى. في منتصف الثمانينيات، خلال الحرب بين العراقوإيران، كانت زوارق الحرس الثوري الإيراني الصغيرة تنطلق في عتمة الليل لإطلاق صواريخ على ناقلات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي، في جهود رامية إلى زعزعة استقرار سوق الطاقة العالمي. في عام 1987، اتخذت القوات العسكرية الأمريكية إجراءاتها لحماية ناقلات النفط في الخليج عن طريق إطلاق "مبادرة الإرادة الجادة". خلال المهمة الأولى للقافلة البحرية، تعرضت الناقلة التي ترفع علم الولاياتالمتحدة إم في بريدجتون للضرر بعد ضرب لغم زرع تحت الماء، يعتقد بأنه وضع من قبل الحرس الثوري الإيراني في الليلة السابقة. جاءت الزوارق السريعة من جزيرة فارس، وهي جزيرة إيرانية مغلقة عن الجمهور وتعتبر موطنا لقاعدة بحرية تابعة للحرس الثوري الإيراني. ومن هذه الجزيرة نفسها ألقت زوارق الحرس الثوري الإيراني هذا الشهر القبض على بحارة أمريكيين، وأحضرتهم راكعين بعد نزع أسلحتهم لالتقاط صورة لهم، ومن ثم وضعتهم على التلفزيون الرسمي الإيراني وأظهرتهم وهم يعتذرون عن التعدي على ممتلكات الغير في المياه الإقليمية الإيرانية. في عام 1987، أشيد بمبادرة الإرادة الجادة على أنها أعظم عملية للقوافل البحرية منذ الحرب العالمية الثانية. في عام 2016، تباهى الجنرال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، بعد القبض على البحارة الأمريكيين، مدعيا أنها كانت المرة الأولى التي يجري فيها إلقاء القبض على أفراد الجيش الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. يثير القبض على البحارة الأمريكيين الكثير من التساؤلات. هل كان هنالك خلل في سفنهم؟ هل فشل نظام الملاحة لكليهما في الوقت نفسه، ما أدى إلى انجرافهما إلى المياه الإقليمية الإيرانية؟ هل قاموا بالفعل بالتعدي على المياه الإقليمية الإيرانية؟ بصرف النظر عن الإجابات، قد يظن المرء أنه في أعقاب الصفقة النووية، ستكون الاستجابة الطبيعية عند حدوث عطل في سفن بحرية تابعة لبلد تربطك به علاقات ودية هي إرسال المهندسين واللوازم - وليس إذلال أفراده العسكريين والتفاخر -بأسلوب طفولي- عبر التلفزيون الرسمي بأنهم بكوا عند إلقاء القبض عليهم، لكنهم "ارتاحوا" بعد رؤيتهم المعاملة اللطيفة من قبل الحرس الثوري. الصفقة النووية التي تم تنفيذها أخيرا هذا الشهر، بقدر ما تضمن أن إيران لا تقتني سلاحا نوويا، يمكن القول إنها قد نجحت. لكن فيما يتعلق بضمان أن تصبح إيران دولة لاعبة أكثر شعورا بالمسؤولية أو أن تظهر أقل خطرا على المنطقة والمجتمع الدولي، حينها تكون الصفقة النووية قد ولدت ميتة بشكل لا يمكن إنكاره. إن التزام إدارة أوباما بالصفقة بأي ثمن هو أمر يبعث على الدهشة. إذ قفز وزير الدفاع آشتون كارتر للتصفيق والإشادة بسرعة الإفراج عن البحارة الأمريكيين، ممتنعا عن إصدار إدانة واحدة. هيلاري كلينتون من ناحية أخرى، وصفت الحادث بأنه "مسيء" للولايات المتحدة ودعت إلى فرض عقوبات جديدة على إيران فيما يتعلق ببرنامجها للصواريخ البالستية الذي يعد انتهاكا مباشرا لقرار مجلس الأمن رقم 1929. معظم الأضرار الناجمة عن صفقة إيران النووية لا يمكن إلغاؤها. وأي صفقة تبادل جميع العقوبات مقابل قيود نووية فقط تتجاهل أصلا السبب الذي يجعل إيران النووية مصدر خطر في المقام الأول. منذ التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة، يتم تذكيرنا مرة أخرى بالسبب في أن إيران النووية، خلافا للهند النووية أو باكستان النووية، تعتبر خطرا على المجتمع الدولي. كثفت إيران دعمها لمقاتليها الذين أعلنت عنهم والبالغ عددهم 200 ألف في كل أنحاء المنطقة. ازدادت همجية المليشيات التابعة لها في العراق وسفك الدماء. في سوريا، تواصل قتال الشعب السوري جنبا إلى جنب مع بشار الأسد. وقد أشعلت النار في السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، ما تسبب في حدوث ضجة إقليمية بلغت ذروتها بأن قررت خمس دول عربية قطع علاقاتها مع طهران وعشرات الدول الأخرى التي استدعت سفراءها، وقدمت مذكرات احتجاج، وأصدرت إدانات قاسية. وفوق ذلك كله، ألقى الحرس الثوري الإيراني القبض على بحارة أمريكيين وعمل على إذلالهم وهم في طريقهم من قاعدة الأسطول الخامس في البحرين إلى الكويت. * محلل سياسي سعودي عن صحيفة التلغراف - 22 يناير 2016