قال الدكتور أيمن الزيني الخبير الاستراتيجي وأستاذ القانون ورئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للعلوم القانونية إن العلاقات الثنائية المصرية السعودية تتسم بالقوة والاستمرارية نظراً للمكانة والقدرات الكبيرة التي يتمتع بها البلدان على الصعد العربية والإسلامية والدولية فالبلدان يعدان قطبي العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي. وأضاف في حوار مع «اليوم»: التحالف الإسلامي العسكري صار ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الحالية التي يواجهها الإسلام والمسلمون كنتيجة لتصاعد حدة العمليات الارهابية التي قام بها العديد من الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام ستارا وشعارا لها والإسلام منها براء كتنظيم داعش وتنظيم القاعدة وتنظيم أنصار بيت المقدس وغيرها. واشار إلى أن وصول قوات داعش او النصرة للحكم في سوريا يعني تفتيت المجتمع السوري فلن يقبل اتباع الاديان والطوائف والاعراق الموجودة على الارض في سوريا بحكم هؤلاء المتطرفين فلن يستبدل اهل الجولان على سبيل المثال وأغلبهم من الطائفة الدرزية حكم إسرائيل الذي يسمح لهم بممارسة عقائدهم بحرية تامة بحكم متطرف يقوم بقطع رؤوسهم فيما لو مارسوا معتقدهم. وتاليا نص الحوار: ماذا تقول عن العلاقات الثنائية المصرية السعودية؟ * تتسم العلاقات الثنائية المصرية السعودية بالقوة والاستمرارية نظراً للمكانة والقدرات الكبيرة التي يتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية فالبلدان يعدان قطبي العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي كما أن التشابه في التوجهات بين السياستين المصرية والسعودية يؤدي إلى التقارب إزاء العديد من المشاكل والقضايا الدولية والقضايا العربية والإسلامية وهناك العديد من المرتكزات المتعلقة بالعلاقات المصرية السعودية والتي من شأنها أن تضفي عليها قدراً أكبر من التميز والخصوصية لعل أخصها الروابط الثقافية والدينية والتي تمثل تجسيداً للعلاقات المتميزة بين مصر والسعودية وكذا الجالية المصرية في السعودية والتي يبلغ عدد أعضائها مليونا ونصف المليون مصري تقريبًا وفقًا لاحصاءات عام 2012 وهي أكبر جالية مصرية في الخارج.. كما تتميز العلاقات السياسية والعسكرية بين البلدين بالقوة والعمق التاريخي حيث شهدت العلاقة بين مصر والسعودية تطورا قويا منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين في عام 1926م حينما أيدت المملكة مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية ووقفت داعمة لها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وفي جميع المحافل الدولية. وبتاريخ 27 أكتوبر عام 1955 وقع البلدان اتفاقية دفاع. كما وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م حيث قدمت المملكة لمصر في 27 أغسطس 1956 (100 مليون دولار) بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي. وفي 30 أكتوبر من ذات العام أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر. وعقب العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن في عام 1967م توجه الملك فيصل بن عبدالعزيز بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود. واستمرت المساندة السعودية لمصر خلال حرب أكتوبر عام 1973 حيث ساهمت المملكة في الكثير من نفقات تسليح الجيش المصري استعدادا للحرب كما قادت المملكة معركة البترول قبل واثناء حرب أكتوبر. وفي أعقاب ثورتي 25 يناير للعام 2011م و30 يونيو للعام 2013م قدمت السعودية دعما سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً للحكومة والشعب المصري لمواجهة المواقف المناوئة للثورة وحظرها أنشطة الجماعات الإرهابية. كما لبت مصر دعوة الحكومة السعودية للمشاركة في عملية «عاصفة الحزم» التي استهدفت إرساء الاستقرار والأمن في اليمن والحفاظ على هويته العربية ومساعدته على تجاوز تلك المرحلة الدقيقة في تاريخه صوناً لمقدرات الشعب اليمني وحفاظاً على حقوقه. كما شاركت عناصر القوات البحرية المصرية والسعودية بتاريخ 14/2/2015 في تنفيذ المرحلة الرئيسية للمناورة البحرية «مرجان 15» التي تشارك فيها العديد من القطع البحرية وعناصر القوات الخاصة وطائرات اكتشاف ومكافحة الغواصات لتنفيذ العديد من الانشطة التدريبية المشتركة لتأمين المياه الاقليمية وحركة النقل بنطاق البحر الاحمر. وجاءت المناورة البحرية تعزيزا لعلاقات الشراكة الاستراتيجية والتعاون العسكري بين مصر والمملكة العربية السعودية لارساء دعائم الامن والاستقرار بالمنطقة وتحقيق المصالح المشتركة لكلا البلدين الشقيقين وكذا تنمية قدرة القوات المشاركة من الجانبين على تخطيط وادارة عمليات مشتركة للحفاظ على أمن وسلامة الملاحة بالبحر الأحمر ضد أي تهديدات باعتباره ممرا دوليا مهما للاقتصاد العالمي. كما شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تفاعلًا ونموا مستمرًا تضاعف عدة مرات منذ الثمانينات من القرن الماضي فقد احتلت الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في مصر والمرتبة الثانية على مستوى الاستثمارات العالمية. فخلال عام 2015 تم الاتفاق على مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية ويهدف المشروع الى الإسهام في تلبية احتياجات الطاقة الكهربائية في مصر والسعودية وتحسين أداء واستقرار الشبكة في البلدين. وفي إطار تعزيز العلاقات بين البلدين عقد العديد من اللقاءات الثنائية وتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم. العمليات الإرهابية ماذا تقول عن التحالف الإسلامي العسكري؟ * التحالف الإسلامي العسكري صار ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الحالية التي يواجهها الإسلام والمسلمون كنتيجة لتصاعد حدة العمليات الارهابية التي قام بها العديد من الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام ستارا وشعارا لها والإسلام منها براء كتنظيم داعش وتنظيم القاعدة وتنظيم أنصار بيت المقدس وغيرها واتساع نطاق عملياتها الارهابية واتساع الأدوات والوسائل المستخدمة في ارتكابها بأقصى درجات الدموية اضافة لانتهاكها للقيم الإنسانية والمبادئ والمواثيق الدولية تحت شعار الجهاد. وهذا التحالف سيعيد تشكيل بناء الصورة الذهنية الصحيحة للإسلام والمسلمين لدى الغرب من خلال رسالة مفادها أن الإسلام والمسلمين براء من هذه الشرذمة من الجماعات الضالة والمارقة ومنحرفة الفكر وان المفهوم الصحيح للجهاد في الإسلام اعلاء القيم الإنسانية. مؤكدا أن هذا التحالف من شأنه الحفاظ على وحدة وقوام الكيان الإسلامي كقوة ذات شأن على الصعيد الدولي قادرة على إدارة أمورها وعلى بتر واجتثاث كل من تسول له نفسه الاساءة للإسلام والمسلمين ومن يتخذ الإسلام ستارا لجرائمه ومن يتاجر بالدين الإسلامي أو يزايد عليه كما يقف هذا التحالف حجر عثرة أمام تدخلات بعض الدول الغربية الأخيرة كفرنسا وروسيا والولايات المتحدة في الشأن الإسلامي تحت ذريعة مكافحة إرهاب تلك الجماعات. عمليات تعذيب الأزمة السورية بين التوصيف والحل؟ * بدأت الأزمة السورية شرارتها الأولى في مدينة درعا حينما قام الأمن السوري باعتقال خمسة عشر طفلا إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب بإسقاط النظام على جدار مدرستهم بتاريخ 26 فبراير 2011 وما تلى ذلك من عنف غير مبرر للنظام السوري مع اطفال دير الزور وقيام وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور وفيديوهات للجنود السوريين حال قيامهم بعمليات تعذيب للمعارضين. ولعل احد أهم أسباب المشكلة السورية سيطرة حزب البعث على مقاليد الأمور في الدولة والمجتمع وتسلط العائلة الحاكمة واعلان حالة الطوارئ وما استتبعه من اعتقال رموز المعارضة وتسلط للأجهزة الأمنية والرقابة المسبقة على الاتصالات واحتكار الإعلام، وغياب المعارضة السياسيّة الحقيقية على الأرض والقيود التي فرضت على إنشاء الأحزاب والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني فضلاً عن الاعتقال التعسفي والمحاكمات العسكرية للمعارضين للنظام. وبداية تكوين تنظيم داعش في سوريا جاء في النصف الثاني من عام 2011 دون أي مشاركة فعلية في أي نشاط ثوري سلمي أو عسكري حتي بدايات عام 2012 عندما بدؤوا في العمل العسكري تحت اسم «جبهة النصرة» التي بايعت لاحقا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري قبل أن ينشق عنها بعد عام من تشكيلها تنظيم فرع «داعش في العراق والشام» الذي أطلق عليه اختصارا «داعش». وعلى الرغم من ان أصابع الاتهام تشير بقوة لأجهزة مخابرات بعض الدول كالولايات المتحدةالامريكية وإسرائيل في تكوين ودعم تنظيم داعش الا أنه لا يمكن تبرئة النظام السوري من تكوين ودعم هذا التنظيم خاصة بعد تكشف تحالف تنظيم داعش مع البعثيين في العراق وكذا تحالفهم مع الحوثيين ومع نظام صالح في اليمن. فالغالب من ممارسات داعش على الأرض في سوريا- ومنذ يومها الاول- كان يصب لصالح إضعاف المعارضة العاقلة كالائتلاف الوطني وجيشه الحر وتنفير مكونات الشعب السوري ودفعها للاصطفاف مع النظام. ولاشك ان وصول قوات داعش او النصرة للحكم في سوريا يعني تفتيت المجتمع السوري فلن يقبل اتباع الاديان والطوائف والاعراق الموجودة على الارض في سوريا بحكم هؤلاء المتطرفين فلن يستبدل اهل الجولان على سبيل المثال واغلبهم من الطائفة الدرزية حكم اسرائيل الذي يسمح لهم بممارسة عقائدهم بحرية تامة بحكم متطرف يقوم بقطع رؤوسهم فيما لو مارسوا معتقدهم, لذا سيترتب على سيطرة داعش على مقاليد الحكم في سوريا قيام تفتيت الدولة السورية لدول متعددة علوية ودرزية وكردية وغيرها. ولاشك في أن الحل الوحيد للمسألة السورية يكمن في ضرورة القيام بعمليات عسكرية من خلال تحالف إسلامي للقضاء على تنظيم داعش في سوريا يتزامن مع بدء مفاوضات بين الأطراف المتصارعة دون شروط مسبقة تتضمن خروجا آمنا لبشار الأسد وعفوا عاما عن الجميع على ان تبدأ عملية اعمار سورية بمجرد توقف الحرب وبغير ذلك الحل ستبقى الحرب الاهلية السورية مشتعلة للعشرين عاما المقبلة على الأقل. الأنظمة السياسية أهم ما يميز القضية الفلسطينية عن غيرها من قضايا التحرر المماثلة لها؟ * هو أن أصحاب هذه القضية لا يملكون وحدهم سلطة اتخاذ قرارات مصيرية بخصوصها بل تتأثر قراراتهم بشأن تلك القضية بفرضيتي العروبة والإسلام وذلك للجذور الضاربة لهاتين الفرضيتين في المكونات الاجتماعية والثقافية والسياسية والعقائدية للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من التأثير الفاعل بمواقف القوى السياسية الدولية الكبرى - ولا سيما الغربية منها- على مسار القضية الفلسطينية إلا أن هذا التأثير لا يتم إلا من خلال هاتين الفرضيتين فالاستفراد بالفلسطينيين والضغط عليهم لا يكون إلا نتيجة حتمية لتوتر العلاقة بين الفلسطينيين والدول العربية والإسلامية وخاصة مصر كأهم دول المواجهة مع إسرائيل. وكانت القضية الفلسطينية حاضرة في الشعارات والسياسات المعلنة لكل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم في المنطقة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي. فقد كان من معايير شرعية ووطنية وقومية هذه الأنظمة موقفها المعلن من القضية الفلسطينية وبصرف النظر عن مدى مصداقية بعض هذه المواقف وعن توظيف بعض الأنظمة لها لضمان استمراريتهم في السلطة. فليست هناك خصوصية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بل صارت جزءا من الصراع العربي الإسرائيلي. فلم يجرؤ نظام حاكم على المطالبة بخصوصية القضية الفلسطينية بما في ذلك الأنظمة التي تتمنى أن تتحلل من عبء الالتزام -حتى وإن كان نظريا فقط- من هذه القضية وتركها لأهلها لما تمثله القضية الفلسطينية من مصدر توتر لعلاقاتها مع الغرب. فصارت القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من القضايا الوطنية في كل هذه البلدان العربية والإسلامية مثلها مثل قضايا التحرر الاقتصادي والسياسي ومكافحة الفقر والأمية على الصعيد الوطني. وشهدت مرحلة ما عرف بالمد القومي شبه احتكار للقضية الفلسطينية من قبل الدائرة العربية سواء كان ذلك من خلال التزام كل الدول العربية شكليا أو فعليا بالمشاركة في الصراع أو من خلال تسويد الرؤية القومية في النظر إلى القضية والصراع معا. غير أن التطورات السياسية اللاحقة التي شهدتها المنطقة العربية بدءا باتفاقية كامب ديفيد وانتهاء باتفاقية أوسلو، أدت إلى تراجع الرؤية القومية وأدخلت القضية الفلسطينية في مرحلة أصبح فيها الصراع فلسطينيا إسرائيليا وتراجع فيها دور الدائرة العربية ممثلة في الأنظمة السياسية إلى مجرد مساند ووسيط، بينما ازداد حضور وتأثير الدائرة الإسلامية بظهور قوى إقليمية مثل إيران وتركيا. خطر التمزق كيف ترى ثورات الربيع العربي وآثارها على الواقع السياسي العربي وعلى القضية الفلسطينية؟ * عندما استيقظ العالم على زلزال ما عرف بثورات الربيع العربي- وهو حدث غير مسبوق في تاريخ المنطقة- طالت آثاره كل مكونات الواقع السياسي العربي واختلف المشهد السياسي للقضية الفلسطينية كنتيجة لهذه الثورات منذ اربع سنوات وحتى الآن عن المشهد السياسي العربي الذي كان سائدا إبان التغيرات وحركات التحرر منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى العشرية الأخيرة منه. والمثير للانتباه في زمن ما سمي بثورات الربيع العربي هو أن الدائرة الأكثر تأثيرا على القضية الفلسطينية صارت الدائرة الإسلامية وإذا كان ثمة ربيع فلسطيني فسيكون على الأغلب إسلاميا بما تمثله هذه الدائرة من دول وأحزاب ومنظمات. والحقيقة أن القضية الفلسطينية لا بد أن تكون جزءا لا يتجزأ من قضايا التحرر القومي. واذا ما كان خطاب ثورات الربيع العربي يرتبط بتحرر من عدو داخلي فقد تحول الرفض والقنوط بين مختلف فئات المجتمع في هذه البلدان إلى تمرد عفوي حتى بلغ مرحلة الفعل الثوري الموجه ضد فساد وطغيان الأنظمة وانسداد أفق المستقبل السياسي أمام هذه الشعوب. ولهذا فإن خطاب هذه الثورات كان موجها ضد الديكتاتورية واحتكار السلطة ومصادرة حرية التعبير وانعدام المساواة وشخصنة الدولة وعدم خضوعها للقانون. ونظراً لأن هذه الثورات قامت من أجل تحقيق مطالب وحقوق وطنية وبالتالي فإن خطاباتها سعت لضمان عدم اصطفاف الغرب إلى جانب الأنظمة ومن هنا رأت أنه من الحكمة الابتعاد عن كل شعار أو خطاب يستفز الغرب بما في ذلك القضية الفلسطينية وإسرائيل. لم يكن صمت خطاب ثورات الربيع العربي عن القضية الفلسطينية بسبب الصراع مع الأنظمة هو السبب الوحيد لغياب هذه القضية عن الأجندة المعلنة لهذه الثورات بل هناك أسباب متعددة أخصها الأوضاع المتردية على كافة الأصعدة والتي سادت بعد إسقاط هذه الأنظمة. فبدأت بلدان الربيع العربي تواجه أخطارا كثيرة ليس أقلها خطر التمزق والتفتت والتشرذم الاجتماعي والسياسي وفي ظل ظروف كهذه لم يكن من المتصور أن يستطيع الغارقون في هذا المشهد أن يمدوا أبصارهم خارجه إلا إذا كانوا باحثين عن عون وليس عن التزامات. فشهد كنتيجة لذلك الاهتمام العربي سواء الشعبي والرسمي بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية أو ما كان يسمى بالبعد القومي حالة تراجع وتدهور متسارعة مما أدى لتداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية حيث جرت عمليات ممنهجة لفك الارتباط التاريخي والمصيري والاستراتيجي والنفسي ما بين فلسطين والأمة العربية. الخطورة في هذا الشأن تكمن في أن التراجع وعدم الاهتمام لم يعد رسميا فقط بحيث يمكن تفسيره بعلاقات المصالح التي تربط الأنظمة والنخب السياسية بالغرب وبإسرائيل وباستحقاقات الالتزامات الدولية بل امتد لمحاولة فك الارتباط المصيري بين الشعوب العربية وفلسطين من خلال كَي وعي هذه الشعوب لتغير من إيمانها والتزامها بالقضية الفلسطينية كقضية عادلة وتغييب إسرائيل كخطر أساسي وثابت للأمة العربية. وإن كنا لا نبرئ بعض الأحزاب الفلسطينية من مسئولية التحول في المواقف العربية تجاه القضية الفلسطينية حيث أخطأت بعض الأحزاب والقيادات الفلسطينية عندما اخترقت المبدأ والقاعدة التي تحكم الثورة الفلسطينية بمحيطها العربي وهي عدم التدخل في الشأن الداخلي لأية دولة عربية والوقوف موقف الحياد في النزاعات العربية- العربية فإن ردة بعض الأنظمة العربية والقوى السياسية التي أفرزها ما يسمى الربيع العربي على القضية الفلسطينية لا تعود للتجاوزات الفلسطينية المحدودة بل تم توظيف هذه التجاوزات لتنفيذ مخطط معد مسبقا لكسر العلاقة بين الشعوب العربية وفلسطين وحتى تتحرر الأنظمة من التزاماتها ومسئولياتها تجاه القضية الفلسطينية وتعزز علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن وإسرائيل دون ربط ذلك بحل القضية الفلسطينية أوعلى الأقل- وقف حالة العدوان المستمرة على الفلسطينيين بعد أن تكون هيأت القاعدة الشعبية لقبول علاقات كهذه بالإضافة إلى أن بعض الأنظمة العربية ارادت توجيه الأنظار إلى عدو خارجي للتغطية على الفشل في حل مشاكلها الداخلية. وإذا كانت المحصلة النهائية لما سمي بثورات الربيع العربي أثر سلباً في القضية الفلسطينية فإن حجم هذا التأثير سيختلف من دولة إلى أخرى. الشعوب العربية كيف نرصد أهم التداعيات السلبية للحالة العربية غير المستقرة على القضية الفلسطينية؟ * انشغال الشعوب العربية بمشاكلها الداخلية سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. فدون تقليل من تعاطف الجماهير العربية تجاه الفلسطينيين ورغبة الأنظمة الحاكمة بعد الثورات في فتح صفحة جديدة مع الفلسطينيين يتم فيها تجاوز أخطاء النظم السابقة إلا أن الشعوب العربية الثائرة ستنشغل بهمومها الداخلية خصوصا بالنسبة للدول التي تحولت فيها الثورات لحروب أهلية كما هو الحال في ليبيا واليمن وسورياوالعراق. وفي ظل هذه المرحلة من عدم الاستقرار قد تلجأ الجماعات الثائرة لنسج علاقات مع الغرب ومع واشنطن لمواجهة النظام القائم كما هو الحال في ليبيا بل قد تلجأ النظم السياسية نفسها لكسب ود واشنطن لمواجهة الثوار وللحفاظ على وجودها وواشنطن لن تتورع عن ابتزاز الطرفين سياسيا. ان الثورات العربية وما أدت إليه من عدم استقرار ومستقبل مفتوح على كل الاحتمالات أوجدت قناعة لدى واشنطن بأنه لا يمكنها المراهنة على أي نظام عربي أو شرق أوسطي كحليف استراتيجي، وأن الحليف الوحيد المضمون هو إسرائيل فالحكومة الأمريكية لديها قناعة بأنه لا يوجد ثمة حليف استراتيجي لهم في المنطقة سوى إسرائيل. وتدخل إيران في مجريات الحراك العربي حرف هذا الحراك في بعض الأحيان من ثورة من أجل الحرية والديمقراطية إلى صراع طائفي بين السنة والشيعة. وقد ساعدت واشنطن وتل أبيب في زحزحة الثورات العربية عن مسارها وإطالة أمدها حتى تنشغل الشعوب العربية بأعدائها بدلا من إسرائيل كعدو رئيسي، وحتى يتم تفكيك الدول العربية القائمة. د. أيمن الزيني