ساعات قليلة كانت كافية لخلط الأوراق السياسية في لبنان على صعيد الملف الرئاسي، فبعد تبني رئيس حزب القوات اللبنانية المسيحي الرئيسي (حليف سعد الحريري) ترشيح العماد ميشال عون (حليف حزب الله) للرئاسة، فيما جاءت المفاجأة الأكبر من قبل النائب سليمان فرنجية، الذي أكد بعد زيارة بكركي، والتقى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، استمراره في الترشح للرئاسة، وقال: "أنا ما زلت مرشحاً، ومن يريدني يعرف عنوان منزلي"، كما غرّد حليف حزب الله وعون على السواء على حسابه على "تويتر" قائلاً: "أنا مستمر في ترشحي للرئاسة"، ورأت أوساط "حزب الله" "الذي لا شك أنه سيواجه تصدعاً" في هذا التطور خلط أوراق على الساحة وربما عودة إلى المربع الأول ورجحت أن تعلن كتلة "الوفاء للمقاومة" موقفاً من التطورات، غدا الخميس، من جهته، أكد النائب اللبناني أحمد فتفت، أن ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، يشكل خطراً كبيراً ويكرس الوصاية الإيرانية على لبنان، مشدداً على أن مصلحة لبنان في عدم ترشيح عون للرئاسة، وتعددت أوصاف الإعلام اللبناني لتبني رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيح خصمه السياسي زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون رئيسا، إذ وصفها البعض بالزلزال والمعجزة، وآخرون اعتبروا أن جعجع قلب الطاولة على الجميع. فرنجية الذي كان أعلن مراراً قبل طرح اسمه من قبل الحريري للرئاسة أن خياره الأول لرئاسة الجمهورية هو دعم ميشال عون، وجه ضربة قوية بتمسكه بالترشح إلى حليفه عون، راداً الصاع صاعين. وسيطبع موقف فرنجية المرحلة القادمة في لبنان إن لم يكن بتحالفات جديدة، فبعراقيل جديدة لم تكن في حسبان أي من الفريقين السياسيين في لبنان سواء 14 أو 8 آذار. والواقع أن جعجع الذي يشغل المراقبين والأوساط السياسية منذ بروز الإشارة الأولى إلى التباين الحاد الذي حصل بينه وبين الرئيس سعد الحريري حول توافق الأخير مع النائب سليمان فرنجية على ترشيحه للرئاسة، "أقدم" في توقيت كان كثر يعتقدون أن جعجع سيتجنبه في ظل تصاعد الضجة الكبيرة التي أثارتها تخلية الوزير السابق ميشال سماحة، والتريث في إنجاز التفاهم العوني – القواتي على إعلان دعم عون للرئاسة. وبدا واضحاً أن ثمة معطيات حملت الثنائي المسيحي على استعجال الخطوة التي وصفاها بأنها "تاريخية"، عزاها مطلعون إلى استعدادات كانت تجري لقيام النائب فرنجية بزيارة لروما يلاقي فيها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ويعقد لقاءات مع مسؤولين فاتيكانيين الأمر الذي يعني المضي قدما في معركة ترشيح فرنجية. لكن الأمر لا يبدو أنه يقف عند حدود التوقيت المباشر، إذ تبين أن الفريقين العوني والقواتي أحدثا ما يشبه الانقلاب الصاعق في الوقائع المتصلة بالمعركة الرئاسية وحساباتها كما بالواقع السياسي المسيحي كلاً وعلاقات أفرقائه بالشركاء من الطوائف الأخرى تحت لافتة كبيرة هي استعادة استقلالية القرار المسيحي. وإذا كان كل من جعجع وعون حرص على التوجه إلى سائر الأفرقاء بلغة الانفتاح وعدم التحدي، فإن ذلك لا يحجب الصدى القوي الذي أحدثه هذا التطور من كل الجوانب سواء على المستوى المسيحي أو على صعيد علاقة كل من الفريقين بحلفه السياسي العريض في 14 آذار و8 آذار. وبرزت في هذا السياق الزيارة العاجلة التي قام بها النائب فرنجية لبكركي ليعلن منها أنه "مستمر في ترشيحه". التحضيرات السرية وقالت مصادر الفريقين: إنه بعد "إعلان النيات" الذي صدر في 2 أبريل 2015، بدأت المرحلة الثانية من التنفيذ التي ركزت على موضوع الرئاسة. وطوال شهرين انعقدت لقاءات في شكل شبه يومي كان محورها النائب إبراهيم كنعان وملحم الرياشي مع العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع للتوصل إلى هذا الاتفاق في ظل تكتم شديد ضماناً لنجاح ما يقومان به. وفي كل اللقاءات، توسّع الطرفان في البحث في "إعلان النيات"، فناقشا مستقبل علاقتهما وعلاقة المسيحيين بالدولة، ومع الشريك الآخر في الوطن، وما بعد الرئاسة أي مستقبل الجمهورية ككل ودور الجميع فيها، وعندما تكونت لديهما رؤية مشتركة متكاملة للكثير من المسائل والقضايا لتقوية الجمهورية، رتّبا لقاء الإعلان الرئاسي في الطريقة التي صدرت، الثلاثاء. وأكد الطرفان أن هذا الترشيح ليس تحدياً لأحد والأهم انه ليس رد فعل على ترشيح الحريري لفرنجية، وما يطمحان إليه أن تكون مبادرة جامعة أو قدر الممكن، كما أكدا ضرورة أن يشمل التفاهم كل المسيحيين وألا يقصي أحداً، فضلاً عن أنه ليس موجها ضد الشريك المسلم بل سيتوجهان إلى هذا الشريك للتوصل إلى تفاهمات. دور القوات المحوري والواقع أن ترشيح جعجع لعون من معراب وسط "المراسم" الإعلامية والسياسية والنيابية والحزبية التي اتخذت فيها والتي بدا واضحاً أن قيادة "القوات" حرصت عليها لإطلاق كل الدلالات التي تتجمع عند دورها المحوري في الاستحقاق الرئاسي ومن خلال التحالف "التاريخي" مع الخصم التاريخي المسيحي سابقاً، أثار مفاعيل شديدة التناقض مسيحياً ولبنانياً إذ بدا من جهة حدثاً دراماتيكياً نظراً إلى الانقلاب في علاقة فريقين خاضا معارك دموية ومن ثم لم يتفاهما إلا تحت وطأة الضعف الهائل الذي أصاب المسيحيين. وبدا من جهة أخرى حدثاً مبشراً بإعادة التوازن إلى الواقع الداخلي من خلال الأثر الذي يمكن أن يحدثه تحالف اثنين من أكبر الأحزاب والتيارات المسيحية. ولفت في هذا السياق أن جعجع عزز "استدارته" الكبيرة نحو حليفه الحديث وخصمه الأول السابق، بالتركيز على النقاط "السيادية" التي وردت في "إعلان النيات " بين الفريقين ليعلن تبني "القوات" ترشيح عون وليدعو "القوى الحليفة في 14 آذار وثورة الأرز إلى تبني هذا الترشيح". أما العماد عون الذي شدد على أن "الجميع لهم موقعهم في هذا الوطن"، فتمنى "أن نشهد الإجماع ولو لمرة لأننا نريد صون الجميع مسلمين ومسيحيين". ونقلت النهار عن نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان قوله: إن ما شهدته معراب كان "خطوة أولى في اتجاه توافق وطني وتفاهم يجب أن يشمل الجميع من غير استثناء، وفي المقدمة الحلفاء في تيار المستقبل لئلا تكون هذه الخطوة ناقصة". وتوقع عدوان أن تبدأ الاتصالات في سرعة "لتحويل هذا التفاهم الثنائي إلى تفاهم وطني أوسع لأن لا خلاص للبنان إلا بهذا السبيل". ردود أوّلية وقالت مصادر مواكبة للاستحقاق الرئاسي، إن ترحيب بكركي بترشيح جعجع لعون أمر مفروغ منه باعتبار أن المرجعية الروحية للموارنة مع كل تقارب داخل الطائفة. روفي موازاة ذلك لا تبدو الرياح مؤاتية لهذا الترشيح داخل "المستقبل" ولدى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وثمانية نواب من المستقلين. وفي السياق، من المنتظر أن يعلن رئيس الحزب النائب سامي الجميّل موقف حزب الكتائب، اليوم، بعد سلسلة اتصالات ولقاءات. من جهته، النائب وليد جنبلاط، أن مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي و"اللقاء الديموقراطي" سيجتمعان لاتخاذ القرار المناسب.