بكل المقاييس، أرامكو السعودية هي في مكانة لا يمكن لأحد أن يضاهيها. لنتناول الحديث عن احتياطاتها النفطية - ما يقرب من 260 مليار برميل، والتي تعتبر نحو 10 أضعاف الاحتياطات لدى شركة إكسون موبيل، الشركة العالمية الضخمة. أو إنتاجها اليومي - 10 ملايين برميل، أي أكثر من الناتج المحلي لكل شركة من شركات النفط الأمريكية مجتمعة. وهذا هو السبب في أن مجرد اقتراح أن تصبح شركة النفط العملاقة هذه والمملوكة للدولة شركة عامة يبدو غريبا إلى حد كبير. هل ستقوم المملكة حقا بوضع هذه الدرة في أيدي المستثمرين المتقلبين؟ الجواب هو ربما، أكدت شركة أرامكو السعودية أنها كانت تدرس خيارات للسماح «بمشاركة شعبية واسعة في حقوق المساهمين لديها من خلال الإدراج في أسواق رأس المال» للمجموعة بأكملها أو لإحدى الشركات التابعة لها. وجاء البيان بعد يوم واحد من قول الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، في مقابلة مع الإيكونومست إن شركة أرامكو، المحور الأساسي في سوق النفط العالمية، كانت تدرس طرحا عاما أوليا في الوقت الذي تواجه فيه الرياض حقائق اقتصادية وجيوسياسية صعبة المتعلقة بالنفط الخام الذي ينخفض سعره أكثر وأكثر. من المستحيل المبالغة في وصف القوة التي تملكها أرامكو في السعودية وسوق النفط العالمية. يرجع تاريخ إنشاء الشركة إلى نقص النفط في الحرب العالمية الأولى، وهي متشابكة بعمق مع ظهور واحدة من أكبر القوى في نصف القرن الماضي: الدولة النفطية الحديثة. ما قيمة ذلك؟ «تريليونات من الدولارات»، وفقا لمجلة الإيكونومست، التي وردت فيها أول تصريحات للأمير. ومن شأن ذلك أن يضع بسهولة أرامكو في تصنيف بين الشركات الأكثر قيمة في العالم، أعلى بكثير من أبل، والتي تقدر قيمتها بحدود 600 مليار دولار. باستنادها ببساطة على احتياطياتها النفطية واستخدامها للتقييم المحافظ لما يقرب من 10 دولارات للبرميل، يمكن أن تقدر قيمة أرامكو بأكثر من 2.5 تريليون دولار. ولكن نادرا ما يقيم المستثمرون في سوق الأسهم شركات النفط المملوكة للدولة بالتجرد الذي تشير إليه الأرقام - أو كما قد يأمل المسؤولون الحكوميون. إذا كان يجب على أرامكو أن تصبح عامة، فإن ذلك قد يجلب في الواقع اقل من 100 مليار دولار، بناء على التقييمات المطبقة على المجموعات المماثلة المملوكة لدول أخرى في العالم. روسنفت الروسية تعتبر نموذجية من هذا الباب. الشركة المملوكة للكرملين هي أكبر منتج للنفط في روسيا وواحدة من أكبر الشركات في العالم. تضخ 5 ملايين برميل يوميا - أي أكثر بكثير من شيفرون، ولكن رسملتها السوقية هي فقط 35 مليار دولار، وهو جزء من قيمة شيفرون البالغة 160 مليار دولار. بتروليو برازيليرو (بتروبراس) تبلغ قيمتها حتى أقل من 23 مليار دولار، على الرغم من أنها تسيطر على ما يقرب من كل جانب من جوانب صناعة النفط في البرازيل. من بين جميع المجموعات النفطية الكبرى المملوكة للدولة، الشركات الصينية فقط مثل بتروتشاينا لها رسملة سوقية كبيرة، تصل إلى مئات المليارات من الدولارات. الأسباب؟ أحدها هو الوضع السياسي. غالبا ما يقلق المستثمرون من أن الحكومات ستضع مصالحها فوق مصلحة المساهمين. بعض الأسباب الأخرى عدم وجود الشفافية. في حالة السعودية، كما قال جايسون بوردوف، مدير مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا ومسؤول نفطي كبير سابق في البيت الأبيض، إن بعض الناس قد «أثارت تساؤلات حول الحجم الحقيقي» لاحتياطيات النفط في أرامكو السعودية. لم تنشر المملكة أبدا مراجعة الاحتياطيات. معظم التفاصيل عن حجم حقولها العملاقة لا تزال سرا. ما هو أكثر من ذلك، كما قال بوردوف: «لدى أرامكو التزامات تتجاوز إنتاج النفط فقط الذي لا تملكه الشركات الأخرى المدرجة في البورصة، مثل، على سبيل المثال، تشغيل جزء كبير من نظام الرعاية الصحية». يجب أن نعترف بأن أرامكو السعودية تعتبر على نطاق واسع بأنها أقرب ما تصل إليه أي شركة نفط حكومية لتكون في مستوى إكسون. فهي تتمتع بسمعة الجدارة التي تعود إلى أيامها كشركة تابعة لأسلاف إكسون وشيفرون. بل هي أيضا رائدة في مجال تكنولوجيا هندسة البترول. وقال الأمير لصحيفة الإكونومكست إنه «متحمس» حول عرض الأسهم المحتمل. ونقلت الصحيفة عن الأمير قوله: «هذا شيء هو الآن قيد الدراسة، ونحن نعتقد أنه سيتم اتخاذ قرار خلال الأشهر القليلة المقبلة»، مضيفا أن الاكتتاب سيجلب «الشفافية» لشركة أرامكو السعودية. مناقشات الاكتتاب تعتبر أولية والرياض يمكن أن تختار إدراج وحدات أصغر داخل شركة أرامكو السعودية، مثل وحدة المصافي المحلية العملاقة التابعة لها، كخطوة أولى. وفي الأسبوع الماضي قالت أرامكو إن أحد الخيارات هو تعويم «حزمة شركاتها التابعة في مجال ما بعد الإنتاج». يمكن لذلك أن يخلق مقياس تقييم للشركة بأكملها، دون المخاطرة بوضع قيمة على احتياطيات نفطها أو أن تتأثر سلبا في حال انخفض سعر السهم في وقت لاحق. ويأتي هذا التحرك السعودي في الوقت الذي يبلغ فيه التداول في أسعار النفط عند أدنى مستوياته منذ 12 عاما، حيث هبط دون 30 دولارا للبرميل في الوقت الذي تغرق فيه أوبك السوق ويتباطأ فيه الطلب الصيني. بالنسبة للمستثمرين، يمكن أن يكون من الأسهل تقييم قطعة صغيرة من أرامكو - وابتلاعها. والمملكة لديها بالفعل بعض الخبرة. في يناير 2008، أدرجت مشروع رابغ للتكرير والبتروكيماويات، مع احتفاظ أرامكو بحصة بلغت 37.5 في المائة، وشركة سوميتومو كيميكال المحدودة بنسبة 37.5 في المائة، وبيعت بقية الأسهم في السوق المحلية. رابغ، التي تعالج حوالي 400 ألف برميل في اليوم، تبلغ قيمتها اليوم نحو 2.4 مليار دولار. من جانب آخر، أظهر إدراج رابغ الاهتمام الهائل ضمن أرامكو السعودية للحصول على قطعة من الاستثمارات الثمينة في السعودية. بلغت نسبة الاكتتاب خمسة أضعاف الأسهم المعروضة، حيث ساهم في شراء الأسهم 4.5 مليون سعودي. مع ذلك، تعتبر رابغ أيضا مثالا على المزالق المحتملة، حين انتشرت أنباء التعويم المحتمل لأرامكو، هبطت أسهم رابغ إلى أدنى مستوى لها، بحيث تراجعت قيمتها بنسبة 51 بالمائة منذ الاكتتاب العام الأولي. وهذا يبين أنه رغم أن أرامكو هي في فئة فريدة من نوعها في عالم الشركات، إلا أنها تظل تواجه نفس التحديات مثل أي شركة أخرى في صناعة النفط، وهو انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ 12 عاما.