صناعة التاريخ تتم بالتراكم تفصيلا، لافتة في أي مجال يرتقي بالإنسان ومجتمعه، وحين يبرز مواطن في الفكر أو العلم أو الثقافة على المستوى الدولي أو الكوني كما فعل ابن الوطن الطالب عبدالجبار الحمود فذلك جدير بمزامنته باحتفاء داخلي مستحق من عدة جهات في مقدمتها التعليم العالي، ووزارة الإعلام وكل الجامعات ومركز الملك عبدالعزيز لرعاية الموهوبين، ثم الفعاليات الاجتماعية والوطنية، فالمواهب تظل كنز بلادنا ومخزونها الاستراتيجي للمستقبل. الحمود أطلقت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية «ناسا» اسمه على أحد الكواكب المكتشفة حديثا تكريما لجهوده العلمية في مجال البحوث، وأصبح اسم الكوكب «Alhamood 31926» وتكلفة ذلك التكريم والتشريف جهد متميز وفائق حيث قدم الحمود، الذي يدرس علوم النبات في الولاياتالمتحدة، بحثا حول استخدام فيروس يسمى «TRV» ضمن نظام يعرف باسم «CAS9-CRISPR» لهندسة جينية آمنة في النباتات النموذجية للتأقلم في بيئات قاسية كالصحراء لإنتاج ثمار طبيعية دون أضرار جانبية، وتم تقديم البحث من قبل الحمود خلال الاحتفال الأخير بجائزة نوبل ضمن مجال العلوم بعد أن فاز بالمركز الأول بمعرض إنتل للعلوم والهندسة في الولاياتالمتحدة لتتبنى وكالة ناسا تكريم الحمود عبر إطلاق اسمه على الكوكب المكتشف. تلك إضافة نوعية لمزيد من منجزات طلابنا وأبناء بلادنا في الخارج، وذلك يجعلهم جديرون بكل أشكال التكريم والتقدير، الذي يضاعف من مشاعرهم ويلهم غيرهم من الطموحين الذين يشعرون بالحافز الغريزي للتطور طالما أن من سبقهم وصل إلى تلك الإنجازات، ولكننا لا نزال نتعامل بتواضع مع هؤلاء المبدعين، فلم نر التكريم المجتمعي الذي يناسبهم ويتوافق مع منجزاتهم، وصحيح أن الدولة هي التي وضعتهم في مسار التفوق وهيأتهم ووفرت لهم البيئة المثالية للنبوغ، ولكن استمرار العناية بالتكريم والاحتفاء يدعم أكثر غيرهم ممن يبحثون في المعامل وفي المجالات العلمية الميدانية، إذ من الضروري أن يظل مبدأ التقدير الحاضر قائما ليمنح الحمود وغيره من علماء المستقبل مزيدا من الطاقة والدوافع لأجل أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم وأمتهم بأسرها. في الطريق نماذج أخرى، نقول ذلك بثقة لأن كثيرا من النابغين لا يزالون في المعامل، وليت شركات القطاع الخاص ذات الصلة العلمية بالبحث وتطويره عبر العالم لتحسين مستويات الانتاج لديها تقدم ذراعا داعمة لكل سعودي ينبغ ويسير في طريق العبقرية العلمية والفكرية، وتفتح له الحضور الإعلامي الذي يوضح للعالم ما يمكن أن ننجزه لأن مساحة الإنجاز في الواقع أكبر من اكتشاف أو اختراع وإنما تغيير منهجي ونمطي في ثقافة الآخرين ورؤيتهم لمجتمعنا الذي يقدم مثل الحمود، وليست تلك الصورة السلبية التي تمحورت في أعمال إرهابية وجعلت شخصيتنا ممزقة رغم وجود هذه الإشراقات الجميلة.