ما أسجله هنا ليس سوى خواطر تجري على ألسنة الناس بهذا الشكل أو ذاك، ممن هم ضد أو مع التوجهات العامة لميزانية الدولة لهذا العام. وفي البداية، لا بد من الاعتراف أن الاختلاف في الرأي لا يعني مصادرة آراء الآخرين، وبالتالي فإني أتوقع أن التعامل مع الآراء المطروحة سواء بالرفض أو القبول لا بد أن يكون دون حساسية أو انفعال، فهناك من اعترض على بعض بنود الميزانية، وهذا من حقهم، بل هو من واجبهم الوطني الذي لا يمكن لأحد أن يساوم عليه، فمن حق المواطن بل ومن الواجب عليه في الوقت نفسه الإسهام في تصحيح مسار التنمية، وكشف أوجه الفساد المالي والإداري الذي قد يعتري أي مشروع تنموي مهما كان صغيرا أو كبيرا، والإسهام بالرأي أو الجهد - إن أمكن - في القضاء على معوقات التنمية، وفي مقدمتها: البطالة، والفقر. والتصدي لأمراض المجتمع: كالإرهاب، والمخدرات، والطائفية، وإثارة الفتن، ونبذ الشحن والغوغائية ضد المسئولين والمواطنين، والعمل على ترسيخ قيم الانتماء للوطن. أكثر ما يشغل الناس في الميزانية الجديدة هو ما طرأ على أسعار المحروقات؛ لأسباب يعرفها الجميع، منها: انخفاض أسعار النفط، ومنها: مواجهة تكاليف الحرب التي فرضت علينا، فكان "الحزم" دفاعا عن كرامة الوطن وأمن المواطن ورفاهيته، واستنهاض همة الأمة في مواجهة التحديات التي يفرضها العداء. وعند ذكر أسعار المحروقات لا بد أن نتذكر أننا لا نزال الأقل سعرا فيما يتعلق بالبنزين بين دول الخليج، وكذلك الديزل الذي أغرى سعره المتدني بعض ضعاف النفوس إلى تهريبه لبعض الدول الخليجية وبكميات درت عليهم أرباحا طائلة لارتفاع سعره في تلك الدول، وذلك على حساب الوطن والمواطن، كما لا تزال المحروقات في بلادنا هدفا للتهريب إلى الدول المجاورة. ثم إن أي دولة تواجه حربا للدفاع عن أرضها، لا بد أن تعلن حالة الاستنفار العام، الذي يتكبد فيه المواطن الكثير من المعاناة، وهذا ما لم يحدث في بلادنا والحمد لله، إذ أن ظروف الحرب، لم تؤثر على الحياة العامة، فما زال المواطن يعيش أمنه ورخاءه، ولا يزال قطار التنمية يواصل رحلته المباركة لتنفيذ المشاريع الطموحة في مختلف المجالات، وهي نعمة تستحق الشكر، وبالشكر تزيد النعم. ومن جهة أخرى، لا بد أن نعترف بأن حالات البذخ والترف، والمبالغة في الولائم، والإصرار على النمط الاستهلاكي في جميع ملامح الحياة ووسائلها، فيه من المفسدة والسفه ما فيه، وقد بحت الأصوات وجفت الأقلام محذرة من الترف المتناهي والإسراف الكبير، دون أن يكون لذلك أي صدى، فذهبت كل شعارات ونداءات الترشيد أدراج الرياح، وقد آن الأوان ليصبح الترشيد حقيقة واقعة في حياتنا، وكم هو جميل أن يكون هذا الترشيد نتيجة وعي وإحساس بالواجب وخاصة في هذه الظروف، وليس نتيجة لضغط هذه الظروف، حتى لا تعود تلك الأساليب الاستهلاكية لحياتنا مرة أخرى عندما تتحسن الأحوال في المستقبل، فلا يزال المستقبل المشرق والواعد هو هدف القيادة التي تعمل على تحقيقه، من خلال الخطط الاقتصادية المستقبلية، ذات الملامح الهادفة لاستشراف المستقبل، من خلال التحول الاقتصادي، ليس فقط لتجاوز الظروف الحالية، بل لإيجاد ظروف أكثر ملاءمة لمعطيات المستقبل، وما يحمله من تحديات، وبناء اقتصاد قوي قادر على تخطي كل تحديات المستقبل. ميزانية هذا العام فيها من الخير الكثير، ما يؤكد حرص الدولة على الرقي بالوطن وتحقيق طموحات المواطن والمسئول، والاعتمادات الضخمة للخدمات العامة والمشاريع التنموية، خير دليل على ذلك، ومن حق الأجيال القادمة ضمان مستقبلها بالعمل على تأسيس اقتصاد قوي تتعدد فيه مصادر الدخل، وتحدد فيه أوجه الإنفاق بالشكل الذي يضمن المستقبل الأكثر أمنا ورخاء لهذا الوطن الغالي وأجياله القادمة، وهذا ما تعمل الدولة على إنجازه ولله الحمد.