جاءت قرارات القمة الخليجية السادسة والثلاثين التي عقدت في الرياض، مؤخرا، وإعلان الرياض الصادر عنها، لتشكل بمجملها نقطة تحول تاريخية في مسيرة العمل الخليجي المشترك، وخاصة على صعيد التكامل الاقتصادي الخليجي ومشاركة القطاع الخاص في تنفيذ برامج هذا التكامل. ويلاحظ أن قرارات القمة تضمنت على أكثر من دعوة صريحة لإشراك القطاع الخاص في برامج التنمية سواء تلك القرارات الواردة في البيان الختامي أو إعلان الرياض. فقد ورد في البيان الختامي للقمة، أن المجلس الأعلى ناقش مسيرة التعاون الاقتصادي والتنموي المشترك، وبهدف تحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة، وجه المجلس الأعلى بأن تقوم الأمانة العامة بتشكيل لجنة من المختصين والمفكرين من أبناء دول المجلس لاقتراح مرئيات للوصول إلى المواطنة الاقتصادية الكاملة، على أن يؤخذ في الحسبان متطلبات واحتياجات التنمية المستدامة في دول المجلس، ورفع تنافسية القوى العاملة الوطنية. لقد شهد العقد الأخير دعماً وتشجيعاً من الدول النامية -بل والصناعية- لمشاركة الاستثمار الخاص في تمويل وإقامة وتشغيل تلك المشروعات الاقتصادية بكافة أنواعها؛ بغية تنمية وتطوير مرافق وخدمات البنية الأساسية والتنموية بكفاءة أكبر وتكلفة أقل، والنهوض بالتنمية الاجتماعية والمشروعات القومية بما يساعد في النهاية على رفع مستوى المعيشة وتحقيق معدلات التنمية المنشودة. ويعتمد مفهوم الشراكة في التنمية أيضاً على قناعة أن تعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي أمر أساسي وحيوي. حيث تركز تنمية هذه الشراكة بصفة أساسية على الانتقال من الشراكة السلبية الحتمية إلى نوع من الشراكة الفعالة التي تضمن كفاءة توزيع الأدوار الفاعلة Active Roles بين كافة الأطراف المعنية في صناعة القرار واتخاذه وتنفيذه وذلك من خلال ضبط توازن المصالح خلال هذه المراحل المختلفة. لقد أصبح دور مؤسسات القطاع الخاص هو الدور المحوري في عملية التنمية، وهو ما أثبتته النجاحات التي تحققها الاقتصاديات المتقدمة في هذا المجال، ولذلك فإن الدور جاء بشكل عكسي مع دور القطاع العام في التنمية الاقتصادية التي تحققها الدول. فمع زيادة دور القطاع الخاص يقل دور القطاع الحكومي ليصبح تشريعيا في الدرجة الأولى وتذهب المشاركة الكبيرة لدفع عجلة التنمية إلى القطاع الخاص. وعلى المستوى العالمي وفي الدول الصناعية والتجارية الكبرى، أصبح هناك هدف لتحقيق تعاون متوازن وتكامل بين كل من الدولة ورجال الأعمال والمجتمع، أي الحكومة والقطاع الخاص لفائدة المجتمع والاقتصاد، في تحقيق التنمية دون الاعتماد كلية على جهة واحدة والإعفاء الكامل من المسؤولية لجهة أخرى. وحتى على مستوى دول العالم الثالث فإن هناك مبادرات تؤكد مفهوم أن التكامل بين الدولة والقطاع الخاص هو مسألة إرادة وتنفيذ مشاريع إنمائية مستدامة على الواقع، فعلى سبيل المثال: في مصر تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع القطاع الخاص بتنفيذ مشروع الأسرة المنتجة، وهو مشروع بفكرة بسيطة، لكنه يحمل استدامة في المنظور المستقبلي، ويقوم على منح الأسرة قروضا للقيام بمشاريع ذات ربحية جيدة مع تدريبهم على بعض الحرف الفنية الملائمة للمشاريع المرتبطة بهم جغرافيا ومن ثم دعم التسويق لتلك المنتجات. إن حاجة التنمية إلى القطاع الخاص في هذا الوقت بالتحديد ليست حاجة مادية بحتة، ليست حاجة إلى أموال القطاع الخاص فقط، بل إن حاجة التنمية للقطاع الخاص هي الحاجة إلى مفردات القطاع الخاص في العمل وإلى تنمية الاستثمارات بما يتناسب مع معطيات المرحلة وفرص النجاح. إن الحاجة للقطاع الخاص في التنمية تكمن في آليات العمل التي يتبعها القطاع والتي ترتكز على النتائج وليس على الجهود. إن مساهمة القطاع الخاص ورجال الأعمال فيما يخص التنمية المستدامة في بلدان مثل دول مجلس التعاون الخليجي لا تمثل بأي حال من الأحوال القيمة الاقتصادية لتلك الشركات، وكذلك لا تمثل أي قيمة مقارنة بعوائد تلك الشركات أو قدراتها على البذل والتطوير، بل في خلق قاعدة اقتصادية – اجتماعية عريضة للتنمية تولد الوظائف للمواطنين، وتسهم في رفع المستوى المعيشي على المدى البعيد. ويحقق دعم وترويج وجذب الاستثمار الخاص في مشاريع التنمية والتكامل الاقتصادي الكثير من المكاسب، من بينها إيجاد قاعدة اقتصادية - اجتماعية أوسع لبرامج التنمية والتكامل الاقتصاديين ومعالجة قصور التمويل الحكومي، والإسراع بمعدل النمو الاقتصادي والاجتماعي، ورفع كفاءة تشغيل المرافق العامة الاقتصادية ومستوى مشروعات التنمية الاجتماعية والوطنية والخليجية، علاوة على توليد فرص عمل مجزية للمواطنين. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف برزت خلال السنوات الماضية ما يسمى "حوار القطاع العام مع القطاع الخاص" الذي يعني مشاركة القطاع الخاص في رسم سياسات التنمية الاقتصادية، حيث عالجت الأدبيات العالمية الكثير من القضايا المتعلقة بهذا الحوار ومستلزمات نجاحه. وقد تنوعت تجارب هذه المشاركة بين دولة وأخرى. ففي بعض البلدان شهدنا تشكيل لجان حكومية – خاصة في كل وزارة وجهاز حكومي، بينما شهدت بلدان أخرى هيئات مشتركة على مستوى كل قطاع اقتصادي لتطوير استراتيجيات مشتركة خاصة بهذا القطاع. وفي بعض البلدان يتم تنظيم منتديات سنوية للحوار، بينما تنظم دول أخرى اجتماعات دورية منتظمة، بينما يتم تأسيس هيئات استشارية عليا تشرف على التنسيق في كافة القطاعات. لكن في كل الأحوال يتم تنظيم عملية مشاركة القطاع الخاص وفقا لقوانين خاصة تضفي الغطاء القانوني على هذه المشاركة. كما يتولى مسئولون كبار في الدولة رئاسة هذه الأجهزة. وبدورهم، يجب على ممثلي القطاع الخاص سواء الغرف التجارية أو الاتحادات الصناعية والنقابات أن تكون جاهزة وذات إمكانيات وموارد تجعلها قادة على بلورة مواقف مشتركة للقطاع الخاص تجاه برامج التنمية، وتتولى الدفاع عنها في الاجتماعات المشتركة. كما تكون قادرة على حشد التأييد والضغوط "لوبي"؛ لكي تنجح في تبني تلك الرؤية من قبل صانعي القرار. مشاريع الأسر المنتجة أفكار بسيطة تحمل مظلة الاستدامة المستقبلية