تناولت الأسبوع الماضي موضوع الجودة في المنتجات والخدمات، والمراحل المتقدمة من الجودة التي تعنى بها الدول المتطورة، والتي تتجاوز حدود المنتج أو الخدمة نفسها، بل تغطي ما هو أبعد من ذلك، بداية من مراحل الإنتاج والظروف الإنسانية والأخلاقية والبيئية التي يمر بها المنتج، والتزامه بمعايير الجودة الشاملة، وخصوصاً في الخدمات كالتعليم والصحة. تعرف الجودة الشاملة على "أنها الطريقة أو الوسيلة الشاملة للعمل التي تشجع العاملين للعمل ضمن فريق واحد، مما يعمل على خلق قيمة مضافة لتحقيق إشباع حاجات المستهلكين". ولتحقيق هذا الهدف يجب وضع معايير إدارية للجودة والتي تضمن تطبيق الأهداف وتحقيقها عبر منظومة إدارية متكاملة من التخطيط والتنفيذ والرقابة. وكما ذكرت سالفاً، أن الخدمات كالتعليم والصحة من أهم قطاعات الخدمات التي يجب أن تطبق مفهوم الجودة الشاملة؛ لأنها تقدم خدماتها إلى شريحة خاصة من المستفيدين الذين قد لا يستطيعون الحصول على حقوقهم بأنفسهم في حال تم تجاوزها من أحد العاملين في تلك القطاعات، حال خلوها من أنظمة إدارة الجودة الشاملة ومراقبتها. التعليم المدرسي على سبيل المثال كخدمة مقدمة إلى شريحة الطلاب، الذين تتراوح أعمارهم بين ست سنوات لغاية ثماني عشرة سنة من العمر تقريباً، بحاجة إلى نظام متكامل للجودة الشاملة؛ لتحقيق الأهداف المرجوة من التعليم. فعندما ترصد الدولة ميزانية بمليارات الريالات في كل عام لقطاع التعليم، فإنها لا تهدف فقط إلى توفير مقعد دراسي لكل طالب وحسب كيفما اتفق، ولكنها من المفترض تهدف إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر إنتاج مخرجات جيدة علمياً ومعرفياً وتربوياً قادرة على إكمال دراساتها العليا التخصصية العلمية في المعاهد والجامعات الداخلية والخارجية؛ لتسهم في بناء ونهضة الوطن. ولتحقيق ذلك، فإن وزارة التعليم تقر المناهج الدراسية وتضع الخطط والإستراتيجيات والقوانين ومناهج العمل التي تشمل كل العاملين والعاملات في السلك التعليمي والتربوي؛ للوصول إلى الأهداف المنشودة، وكلما كان لدى الوزارة أدوات لمراقبة الجودة؛ كانت نسبة تحقيق الأهداف على الوجه المطلوب كبيرة والعكس. وبعيداً عن الكلام النظري العلمي وبالرجوع إلى أرض الواقع، نرى أننا نفتقد إلى الجودة في الكثير من أعمالنا وممارساتنا اليومية، مع أنها تنطلق من صلب الدين الإسلامي، الذي يحثنا على الاهتمام بها، قال تعالى: «الذي خلق الموت والحياة أيكم أحسن عملا»، في هذه الآية وضع الله -سبحانه وتعالى- التمايز بين الناس بحسن العمل، وفي حديث شريف يروى عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». ولكننا للأسف نرى أننا كمسلمين بشكل عام ضيعنا الكثير من الإيجابيات التي يحثنا عليها ديننا الحنيف والتقطها غيرنا من الثقافات والشعوب الأخرى، ففي نظري الشخصي أن تحقيق الجودة الشاملة يرتكز بالمقام الأول على الفرد، فإذا لم يكن الفرد نفسه مقتنعاً به فلن يفيده القانون والرقابة؛ لأنه سيظل يفتقر إلى روحية الجودة في عمله الذي يؤديه مجبراً دون اقتناع. قرأت ذات يوم عن قصة عامل ياباني كان يعمل في مصنع هوندا للسيارات في إحدى مراحل خط الإنتاج، وكانت مهمته بسيطة وهي عبارة عن تركيب وتثبيت ماسحات الزجاج الأمامية للسيارات، وكان ذلك العامل في كل يوم وهو في طريق عودته إلى منزله بواسطة دراجته الهوائية يراقب سيارات الهوندا المتوقفة في الشارع، وينظر إلى حالة ماسحات الزجاج فيها، فإذا لاحظ خللا ما يتوقف ويخرج عدته البسيطة ويصلح الخلل، وعندما سأله الناس لماذا تقوم بهذا العمل؟ أخبرهم بأنه هو الشخص المسؤول عن تركيب الماسحات في المصنع، وأن أي سيارة هوندا تمشي في الشارع قد تكون إحدى السيارات التي ركب بها الماسحات، ولهذا فإنه يشعر بمسؤولية شخصية تجاه تلك السيارات التي لا يرضيه أن تكون جودة الماسحات فيها دون المستوى المطلوب!