تتشكل حياتنا بصورة كبيرة حسب النوع الذي ننتمي إليه أو العرق الذي ننتمي إليه وكذلك حسب شخصياتنا، ويتمثل أحد أهم جوانب الشخصية حسبما يصفه علماء النفس في نطاق يضم صفتي الانطواء والانبساط معا، فمكاننا على ذلك النطاق يؤثر على اختيارنا لأصدقائنا، وكيف ندير أحاديثنا مع الغير ونحل خلافاتنا معهم ونظهر محبتنا لهم، فطالما حظي الانطوائيون والانبساطيون باهتمام وتفكير الشعراء والفلاسفة منذ مطلع التاريخ المسجل. وعلى غرار الأزواج المتناقضة والمكملة لبعضها في الوقت نفسه مثل الذكورة والأنوثة، والشرق والغرب، فإن البشرية بدون كلا الزوجين من الشخصية ستتضاءل حيويتها بشكل كبير. بيد أننا درجنا على مفاهيم تعزز أنه لنصبح عظماء يجب علينا أن نتسم بالجرأة، ولنزيد مستوى سعادتنا يجب أن نكون اجتماعيين، فنحن نرى المجتمع الناجح عبارة عن مجموعة أشخاص انبساطيين منفتحين للتواصل الخارجي ونتغافل كثيرا عن دور الشخصية الانطوائية في تعزيز جودة الحياة. نحن ندعي دوما أننا نقدر التفرد والاختلاف، لكننا في أغلب الأحوال نبدي إعجابنا بنمط الشخصية التي ترتاح في الإفصاح عن نفسها خارجيا، لأننا نعيش في ظل نظام من الثقافة تطغى فيه الانبساطية كنموذج للشخصية المثالية والاجتماعية، حيث يفضّل الانبساطيون المبادرة للفعل عن التأمل والتفكر، والمخاطرة على التروي، واليقين عن الشك، وحيث يجد الناس الشخصية المتكلمة على أنها أكثر ذكاء واثارة للاهتمام، أما الانطوائية وما يقترن بها من صفات مثل الحساسية والهدوء والصمت والخجل فهي تعد شخصية من الدرجة الثانية، ويبدو الانطوائيون الذين يعيشون تحت مظلة طغيان الانبساطية أشبه بنساء يعشن في عالم يهيمن فيه الرجال. من المؤكد أننا نرتكب خطأ فادحا عندما نسلم بمفهوم مثالية الشخصية الانبساطية بدون أدنى إعمال للتفكير، فالكثير من اختراعاتنا وابتكاراتنا وأعمالنا الفنية بدءا من نظرية التطور لداروين والنسبية لأينشتاين والجاذبية لنيوتن مرورا بروعة لوحات فان جوخ إلى اختراع الكومبيوتر، يرجع منشؤها لأشخاص يتسمون بالميل لعدم الاختلاط وقلة الكلام لكنهم عرفوا كيف يفهمون ويسبرون أغوار عالمهم الداخلي واكتشاف الكنوز الكامنة التي أسعدت البشرية. اذا كنت من الشخصيات الانطوائية فلابد أنك تفهم الآن كم يسبب التحامل على الانطوائيين من حولك ألما عميقا لهم، فلا تكرر غلطة والديك مع أبنائك اللانبساطيين حين كانا يعتذران عن خجلك ويكرران عليك دوما «لماذا لا تكون منطلقا مثل ابن فلان؟».