هل تتذكرون مقابلتي ببرنامج (لقاء الجمعة)؟!، تاريخ 29 سبتمبر 2014، كان عن مستقبل الماء في السعودية، قلت: نضوب المياه قضية وطنية ويجب أن نضع لها حدّا، أضفت أن آخر العلاج الكي، نعم وصلنا مرحلة الكي هذه، الواجب الوطني يُحتّم ممارسة هذا العلاج بكل جرأة وشجاعة، نجري العمليات في أجسادنا لكي نطيل في أعمارنا ونتخلّص من آلامنا، الحياة تستاهل، العمليات في الأجساد تصحيح أوضاع، أو إزالة واستئصال أعضاء مختلّة، حتى الوطن جسد عظيم، يحتاج إلى مثل هذه العمليات الضرورية، في أمور استفحل خطرها وتأثيرها السلبي، وخير مثال، الزراعات العشوائية، استنزافها الجائر للمياه الجوفية، يشكل تهديدا خطيرا على مستقبل البلاد والعباد. وقف زراعة الأعلاف خطوة مباركة، موفقة، بعد خطوة قرار وقف دعم زراعة القمح والشعير، هذا هو العلاج، لا شيء غيره، هناك خطوات أخرى يجب اتخاذها رغم الألم وقسوته، ورغم التأثيرات المربكة للبعض، مصلحة الوطن فوق كل المصالح الشخصية، إنها مراحل العلاج بالكي ننتظرها وستأتي، يجب اتخاذ قراراتها بسرعة، لوقف استنزاف المياه الجوفية، زراعات عشوائية خارج قانون التوازن البيئي، زراعة ستقضي على استدامتها باستنزافها المياه الجوفية المحدودة، كان التوسع في مساحتها خطأ استراتيجيا لوزارة الزراعة، كنتيجة يتعرض البعض، حاليا، لألم العلاج بوقف زراعتها، علاج أشبه بالكي بالنّار، لكنه ضرورة، تحمّلوا. قرار مجلس الوزراء بمنع زراعة الأعلاف، يمثل منعطفا تاريخيا مهما، في مسيرة تصحيح الوضع الزراعي في المملكة، غياب الاستراتيجية الزراعية قادت إلى العشوائية والفوضى، في جميع المراحل السابقة، منذ بداية الطفرة وحتى اليوم، كنتيجة تحمّل مورد المياه المحدود كافة النتائج السلبية، تشكلت تحديات أمام الأجيال القادمة، كان يجب علينا مراعاة الحفاظ على التوازن بين الزراعة والماء بهدف الاستدامة، حب المال حجب الرؤية السليمة والصحيحة. المياه التي تم استنزافها لن تعود، لن يتم تعويضها حتى بالمطر لقلته وندرته، القرار جاء متأخرا، شخصيا نبهت إلى هذا من تسعينيات القرن الماضي في أكثر من بحث، طرحت هذا في الكثير من المقالات، أخيرا وفقني الله بتأليف كتاب، سجّل ما جرى في تلك المراحل من اندفاع في زراعة القمح والشعير والأعلاف، من حسن الطالع أن الكتاب صدر مع اتخاذ قرار وقف زراعة الأعلاف، هذا القرار الحازم والجريء، الكتاب بعنوان: [التوسع في زراعة القمح والشعير والأعلاف خلال خطط التنمية الخمس الأولى (1970-1995م) وأثره على المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية]. سأعود للكتاب شارحا، وموضحا، في مقالات قادمة بعون الله. إن مشاريع زراعة الأعلاف ضد المنطق، ضد البيئة، منافية للنظريات العلمية، تتعارض مع الظروف البيئة والمناخية، تعكس وجود اجتهادات وتخبط، تنبئ بالطمع والجشع وطغيان المصالح الشخصية، هل كانت مؤشر فساد؟!، كان يجب عدم إخضاع البلد ومصالحه ومستقبله للاجتهاد، في ظل وجود العلماء والنظريات العلمية، وفي ظل الجامعات والمراكز البحثية، القرار لن يعيد مناسيب المياه الجوفية إلى سابق عهدها، ستظل المعاناة قائمة، كالجرح الذي يترك أثرا ظاهرا لا يزول، لكنه قرار حكيم لوقف نزف المياه الجوفية. الحقائق تقول، عام (1994) استنزف القمح (6) مليارات متر مكعب، بينما الأعلاف لنفس السنة استنزفت (8) مليارات متر مكعب، ورغم ذلك الفارق تحركت وزارة الزراعة ضد زراعة القمح، تركت الأعلاف على عماها كما يقولون، ثم توسعت زراعته بشكل جائر، تلك من العجائب التاريخية لوزارة الزراعة. نعم توسعت زراعة الأعلاف، تحولت مساحات زراعة القمح والشعير إلى زراعة الأعلاف بعد وقف دعمهما ماليا، زادوا الطين بلّة، تضاعف ألم استنزاف المياه الجوفية، الطلب على الأعلاف توسع وانتشر، أصبحنا دولة مصدرة للأعلاف، بجانب طلب الشركات العملاقة لتربية الأبقار في البلد، الأكبر على مستوى العالم في صحراء جرداء، في ظل صمت وزارة المياه العجيب والمريب. على أصحاب المصالح الشخصية، أيضا من يدعي أنه متضرر، تفهم حيثيات اتخاذ قرار وقف زراعة الأعلاف، هناك مستقبل ينتظر أبناءنا، يجب أخذه في الاعتبار، هناك مستقبل ينتظر البيئة، يجب احترامه وصيانته من الآن، المستقبل فعل اليوم وإنجازه، زراعة الأعلاف تشكل تهديدا خطيرا كان يجب تجنبه، يجب علينا الوقوف مع هذا القرار وبقية القرارات القادمة بعون الله، أكرر، نحن لم نرث الأرض لكننا مستأمنون عليها، هذا مؤشر يكفي لوقف العبث الزراعي. ويستمر المقال بعنوان آخر.