عام 2002، حدث الاختراق الكبير للجبهة الوطنية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية وحل زعيم الجبهة آنذاك جان ماري لوبن في المركز الثاني في مواجهة الرئيس جاك شيراك. كان يوما حزينا ليس فقط لصاحب المركز الثالث المرشح الثالث ليونيل جوسبان، بل للكثيرين من اليساريين وأنصارهم على «التواطؤات» التي تمت في قمة قيادة الحزب الاشتراكي مع بعض اطراف الطبقة السياسية لإسقاط ليونيل جوسبان. يومها كان العنوان المشترك لوسائل الإعلام الفرنسي هو: الصدمة. صدمة الرأي العام الفرنسي الذي جرى التلاعب بمشاعره لدرجة أن يصبح زعيم حزب يميني رجعي متطرف تمثل آراؤه وخطابه السياسي القائم على الكراهية للآخر يملك حظاً ولو يسيراً لأن يصبح رئيساً لفرنسا. ومنذ ذلك، أصبحت كلمة الصدمة لازمة تلي كل اختراق تقوم به الجبهة في جهة مد نفوذها. في الأسبوع الماضي وعلى إثر نشر نتائج انتخابات المناطق التي وصلت فيها الجبهة للتقدم في ست مناطق وغطى اللون الأزرق الغامق مساحات شاسعة على خارطة الانتخابات كانت اولى عبارات مارلين لوبن- الرئيسة الجديدة- في خطابها الاحتفالي: اليوم نحتفل بأننا أصبحنا الحزب الأول في فرنسا. لابد من الاستدراك بأنه في انتخابات 2002 الرئاسية طلب الحزب الاشتراكي من أعضائه ومناصريه وكل القوى الديمقراطية التصويت لصالح المرشح اليميني جاك شيراك كمرشح لكل المؤمنين بقيم الجمهورية ففاز بأغلبية كاسحة. الصدمة التي أحدثتها نتائج الدورة الأولى مرشحة اليوم لإحداث صدمة مضادة بقيادة الحزب الإشتراكي ومؤسسات المجتمع المدني للوقوف سداً واحداً أمام مرشحي الجبهة الوطنية حيث طلب الحزب من كل مرشحيه الانسحاب لمصلحة المرشح المنافس لمرشح الجبهة الوطنية وتحديدا في المناطق ذات الرمزية المهمة في الشمال والجنوب حيث الزعيمة الابنة مارلين لوبن في الشمال والحفيدة ماريون مارشال لوبن في الجنوب. صحيح أن موقف الرئيس السابق نيكولا ساركوزي رئيس الحزب الجمهوري (البديل لحزب التجمع الديجولي السابق) اتخذ موقفاً معارضاً لوحدة الصف الجمهوري الذي دعا إليه الإشتراكيون وحلفاؤهم، إلا أن صوت منظمات المجتمع المدني للاصطفاف ضد مرشحي الجبهة الوطنية قد يقلل من فعالية رؤية ساركوزي التي كانت مثار انتقاد من بعض أوساط حزبه وحلفائه من الوسط ويسار الوسط. هل تحدث الصدمة المضادة في الشمال ويحقق كزافييه برتراند الفوز على مارلين لوبن ويحدث للحفيدة ماريون مارشال لوبن نفس الشيء في الجنوب على يد كرستيان استروزي بفضل انسحاب مرشحي الحزب الإشتراكي في كلتا الدائرتين؟ إذا حدث ذلك ومؤسسات رصد الرأي تتنبأ بذلك ، فذلك يكفي للقول بهزيمة الجبهة الوطنية على مستوى تطلعاتها الاستراتيجية في الانتخابات الرئاسية للعام 2017 ليس في إمكانية وصول مارلين لوبن إلى سدة الرئاسة وإنما في مواصلة الاختراقات التي قد لا تفيد معها الصدمات المضادة. السياق في هذا الإتجاه سلباً أو إيجابا منوط برؤية وسلوك الطبقة السياسية التي أوصلت إلى صدمة الدورة الأولى من انتخابات المناطق والتي لا تزال تملك الوقت والفضاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي لإخراج فرنسا من الأزمة العامة التي وفرت المناخ الملائم لتفشي الأجواء المسمومة التي قادت إلى صدمة الأسبوع الماضي. صحيح أن الطريق لا يبدو سالكاً أمام الأحزاب التقليدية التي تسببت في تفشي السخط والغضب لقطاعات واسعة من السكان من كل الشرائح الاجتماعية بسبب المعالجات الانتهازية لحكومات اليمين واليسار والتي لم يفعل قادتها سوى التسابق على السرقة المتبادلة للشعارات لتلبية الحاجات المباشرة لوباء «السياسة الواقعية». مع ذلك، يبقى لدى هؤلاء السياسيين وأحزابهم فرص لا تتوفر لغيرهم وهي أنهم هم المشكلة وهم الحل. وإذا كان استقطاب الجبهة الوطنية للناخبين لا يقوم لا على برنامج سياسي أو اقتصادي بل على فكر عاطفي لا يخلو من خرافة بإتجاه السراب، فإن برامج يسارية متشددة ومحترمة وصل ممثلوها إلى الحكم في اليونان، لم تفعل سوى الرضوخ لواقع القوانين الاقتصادية السائدة بكل ما يعتريها من أسباب لانفجارات متتالية. اليوم مساءً وعندما تعلن نتائج انتخابات المناطق النهائية في عموم فرنسا، سيكون الجميع على موعد يتمنى كل محبي فرنسا ومبادئ فرنسا في الحرية والعدالة والأخوة الإنسانية أن تكون انتفاضة ضد ثقافة الكراهية والانكفاء ولمصلحة الفرنسيين كل الفرنسيين بمن فيهم من صوّت للجبهة الوطنية. هزيمة الجبهة الوطنية ليست هزيمة لهم بل مشروع لطريق آمن لفرنسا والفرنسيين يحق لمن ساهم في إنجازه الفرح.