أحب أن اقرأ لتوماس فريدمان، الصحفي الكبير في النيويورك تايمز، فهو من الصحفيين الذين تعتمد عليهم الدوائر السياسية وصناع القرار في إيصال وجهات نظرهم للعالم وكذلك على استشراف وقائع المستقبل السياسي. توماس فريدمان صحافي نشط جداً، فهو بالإضافة إلى مقالاته الصحفية العديدة، ألّف العديد من الكتب المهمة، وكان له مقال أسبوعي يُنشر بالعربية في الزميلة جريدة الشرق الأوسط السعودية اللندنية. والأهم أن بعض أهم رؤساء الدول يبعثون عن طريقه بمبادراتهم السياسية الخارجية، وكلنا نذكر كيف أن الإعلان عن مبادرة السلام السعودية التي تبنتها الجامعة العربية كان من خلال توماس فريدمان. وقد كانت هناك مقابلتان مهمتان للرئيس الأمريكي باراك أوباما مع نفس الصحفي عشية القمة التي ضمته مع زعماء دول الخليج، والتي أثارت الكثير من النقاش والجدل حولها، والتي دشن من خلالها الرئيس الأمريكي أجندة الاجتماع المهم مع قادة منطقة ذات أهمية قصوى للاقتصاد العالمي. وقد تكررت تلك المقابلة بعد انتهاء القمة. في مقالاته الأخيرة كان فريدمان حاداً في تناوله الشأن السعودي في مقالاته، وكان ينتقد من وجهة نظره ما أسماه الجمود في السعودية، لكن مقالته الأخيرة يوم الأربعاء 25 نوفمبر في النيويورك تايمز حملت نفساً مختلفاً هذه المرة، نفساً متفائلاً بمستقبل المملكة العربية السعودية. كان الباعث للتفاؤل لدى فريدمان، الذي جاء ليلقي محاضرة في مركز الملك سلمان للشباب بالرياض عنونها: "كيف تؤثر وسائل الاتصال الحديثة في بيئة العمل"؛ هو ما رآه من أن السعوديين الشباب يشكلون 70% من عدد السكان، وأن الأسئلة التي كانت توجه إليه من حضور محاضرته (التي قال إنها غير مدفوعة الثمن) والذين بلغوا 500 شخص بين فتاة وشاب تنم عن وعي معاصر لأمور الحياة. وكان يفكر أن هذا العنفوان الشبابي بحاجة إلى قائد، وعندما التقى سمو الأمير الشاب ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكان ذلك هو الباعث الأهم لتفاؤل فريدمان حين سمع من سمو الأمير ما يلي «سبعون في المائة من سكان البلاد هم من الشباب ولديهم نظرة تختلف عن الثلاثين الباقين، والقيادة تنمي لهم الوطن». يقول فريدمان: إن ولي ولي العهد أطلعه على برنامجه لتطوير الحكومة، وهو تدشين حكومة إلكترونية تكون مؤشرات الأداء فيها واضحة، يتم فيها ملاحظة أداء الوزارة إلكترونيا شهرياً. وفي لقائه مع بعض الوزراء، أكدوا لفريدمان أن وتيرة أداء الحكومة قد أصبحت أسرع، والذي كان يحدث في سنتين أصبح يحدث الآن في أسبوعين. الملفت أن فريدمان نقل عن الأمير قوله إن مشكلتنا هو اعتمادنا على النفط، وهذه رؤية طالما تحدث عنها الاقتصاديون والتنمويون وطالبوا بإعادة هيكلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، لكننا نعلم الآن حسب ما نقله فريدمان من مقابلته أنها أصبحت في ذهن أعلى هرم السلطة.