يعد النشاط الزراعي أحد أبرز النشاطات على مدى التاريخ في أرض المملكة، وظلت الزراعة قبل عصر الفورة الاقتصادية الشاملة تعتمد على الانماط التقليدية إلى حين ظهور الدعم الحكومي بالتوازي مع الكفاءة للعمالة والآلة، وهو ما نقل الزراعة السعودية إلى مراحل متقدمة جداً، وربما يكون ذلك تجلى بشكل أوضح إبان تجربة زراعة القمح والتي يمكن اعتبارها أساس صناعة الزراعة في المملكة. تعثر المشروع الوطني لزراعة القمح وذلك بسبب التأخر في كبح جماح الانتاج، وعدم ضبط التدرج في النمو، بما يتماشى مع احتياج السوق المحلي أو يزيد عنه قليلا لحاجة التخزين، مما خلق فائضا كبيرا وبنسب كبيرة وفي سنوات قصيرة. وقد يكون من الأسباب الرئيسية لذلك دخول مستثمرين كبار من خارج القطاع ضاعفوا رؤوس أموالهم وخرجوا خارج السوق، تاركين المزارعين الاصليين الذين عانوا قلة الامكانات وعجزهم عن تأمين المتطلبات الفعلية للانتاج، وتضرروا لاحقاً من قرار حظر زراعة القمح، ومع التوجة لتحجيم زراعة الاعلاف فإن المزارع الاصلي الصغير لا يدري من أين يؤمن مصادر دخله. ولم يكن نجاح التجربة في زراعة القمح في بدايتها يعود فقط للاسعار، ولكن بسبب ضمان حقوقهم من خلال التسويق الجيد، وهي المشكلة الرئيسية التي يعاني منها المزارعون الأصليون الصغار ويبعدهم عن زراعات اخرى مثل الخضار، رغم غلاء اسعارها، جراء فقدان ذات الضمان التسويقي، ما يجعلهم يذهبون فيها ضحية للسماسرة بسبب خبرتهم التي لا تتجاوز مرحلة الانتاج، وهنا أرى وجوب اعادة إحياء فكرة شركة التسويق الزراعي تحت مسئولية وزارة الزراعة. وعلى الرغم من مخاوف الفقر المائي، إلا أن الخيارات الأخرى المطروحة تتجه إلى زراعة الأعلاف في الوقت الراهن، رغم تطلبها 4 أضعاف حاجة القمح والشعير من المياه، وبالتالي لم تحل مشكلة المياه ولا حتى المزارعين المتضررين من تعثر مشروع القمح. في الواقع الزيادة السكانية تنمو بمعدل كبير، لتصل إلى ما يزيد على 30.5 مليون نسمة في العام 2014، الأمر الذي يعكس طلباً متزايداً على منتجات القطاع الزراعي، وهو ما يوجب تغيير الواقع الزراعي الحالي من خلال ضمان ايجاد انتاج زراعي مستدام وخاصة من محاصيل الحبوب، تكون مستقرة وتفي بجزء ثابت من احتياجات السوق باسعار معتدلة للمنتج والمستهلك. تقول أرقام وزارة الزراعة: إن كمية الانتاج للحبوب والمساحات المزروعة المحلية في العام 2009 تقترب من ضعف ما كان عليه الحال في العام 2013، وفي رأيي أنه وعطفاً على الأوضاع التي تشوب السوق العالمية بين الفينة والأخرى، فإن كمية المعروض تبعا للاوضاع السياسية العالمية، تتحكم بمبدأ الأسعار ومن مبدأ أن الشعب الذي لا يأكل انتاجه ولو جزئيا لا يضمن ان يشبع دائماً. اعتقد أنه يجب ايجاد حلول مدروسة عاجلة تضمن تحقيق جزء من الأمن الغذائي الوطني عبر العودة إلى دعم الزراعة جزئيا، عبر تحقيق التنمية الزراعية المستدامة، عبر إيجاد موازنة بين استهلاك الماء للاحتياجات المدنية والقطاع الزراعي. والله من وراء القصد،،،