في أدبيات جماعة داعش دليل إرشادي، أو مخطط غير رسمي، نُشرَ منذ سنوات على الانترنت بعنوان "إدارة التوحش" وتمت إعادة طباعتهُ مؤخراً بشكلٍ كبير، بعد تضخم الدور الذي يلعبهُ التنظيم على الساحة السياسية الدولية. يتناول الكراس تفاصيل إدارة المراحل التي يجب أن تمر بها الدولة والمجتمع الذي يخططون للسيطرة عليه، قبل أن يصل لمرحلة مناسبة لوجودهم فيه، وإدارتهم له. الشغل الشاغل لهذا العقل، هو تفكيك عروة المجتمع، وبث الرعب في نفوس أهله، ونشر حالة من عدم الثقة بين الشرائح الاجتماعية، وانفراط الأمن؛ كي يدب الخوف بين المواطنين، ويتفشى الإحساس بالقلق، فيفقد الناس إيمانهم بالدولة، بحيث يعود الناس لمرحلة ما قبل الدولة، أو ما يسميه توماس هوبز بحالة الطبيعة. عاش هوبز في حقبة تاريخية سمتها الرئيسة عدم الاستقرار وضياع الأمن؛ بسبب الحروب الأهلية التي عرفتها بريطانيا، وقد أثّرَ ذلك في حكمه على طبيعة البشر بلا شك. أوصلته تلك الحالة لقناعة بأن الإنسان تتملكه دوافع وأهواء منها حب التملك، ولديه رغبة دائمة في السيطرة على من حوله من بشر، ولكي نضمن ألا يقتل الإنسان نظيره الإنسان، لابد من الانصياع لسلطة أعلى من البشر. كان هوبز يقول: إن حالة الطبيعة هي حالة "حرب الكل ضد الكل" ولتجاوز هذه المرحلة فإن الإنسان يجب أن يتنازل عن سلطته لصالح سلطة الدولة، بحيث تصبح هي السلطة الوحيدة التي تملك الحق في استخدام القوة لإجبار الناس على الانصياع للقانون. لا شك في أن تقييم هوبز للطبيعة البشرية، ووسمها بالتعطش للاقتتال، وخوض الحروب في حالة انهيار الدولة لقي معارضة بعض المفكرين الذين عاصروه أو تلوه، حيث اتُهِمَ بأنهُ نصيرٌ للاستبداد. كان ضمن أهم نقاد هوبز، الفيلسوف جان جاك روسو، الذي تناول الطبيعة البشرية في حالة الطبيعة من زاوية نظر مختلفة. أشار روسو في كتابه "خطاب في أصل التفاوت وأسسه بين البشر" أعتقد أن الإنسان خيّر بطبيعته، وهو في الأصل يسعى لحفظ ذاته، فإذا ما شعر بألا أحد يرغب في الاعتداء عليه، فانه لن يكون مُضّطراً للقتال. كان غرض روسو من مقالته التي أشرنا إليها، نزع ذريعة الهيمنة على البشر بحجة الخوف من الاقتتال، والتأصيل لفكرة الحرية. وجد روسو بألا سلطة مطلقة لأحد على أحد، وإن الفرد لا يملك حق التنازل عنها للآخرين، إنما يملك حق التفويض عليها، لأنه آمن بأن الذين تجمعوا في دولة بالقوة المحضة، يمكن أن يتفرقوا إذا مازالت. إن الهدف الذي يضمره داعش هو إعادة الإنسان لما قبل الدولة ( مرحلة التوحش). قد لا تكون العقلية الداعشية بعمق هوبز أو روسو في دارسة طبيعة النفس البشرية، لكن المؤكد أن الخبرة في إدارة المجتمعات المتوحشة، قد أكسبتهم الكثير من الحيل للعبث بها.