ناقش مجلس الشورى في جلسةٍ سرية ما أحيل له من الحكومة الموقرة، حول الترتيبات لفرض رسوم على الأراضي البيضاء. وتجدر الإشارة إلى أن موافقة المجلس -من حيث المبدأ- لفرض رسوم كانت قد صدرت منه ابتدأ منذ أكثر من أربع سنوات (في يونيو 2011) عندما وافق حينها على فرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء، وطلب من وزارة الشؤون البلدية والقروية إعداد لائحة تنظم الضوابط والآلية اللازمة لفرض الرسوم على الأراضي التي تقع ضمن النطاق العمراني. ولذا، فنطاق النقاش والدراسة في الوقت الراهن تنحصر في الترتيبات والتنظيمات لفرض الرسوم. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الوزراء الموقر كان قد وافق قبل نحو ثمانية أشهر (مارس 2015) على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بفرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، وكَلفَ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإعداد الآليات والترتيبات التنظيمية لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى مجلس الوزراء تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشورى لاستكمال الإجراءات النظامية في هذا الشأن بشكل عاجل. وقد أعدت الآليات والترتيبات، وعُرضت على مجلس الوزراء، الذي أحالها بتاريخ 19 أكتوبر 2015 لمجلس الشورى للانتهاء من دراستها خلال ثلاثين يوماً. إذاً، فقد أُتخذ القرار بفرض رسم على الأراضي البيضاء ضمن النطاق العمراني للحواضر في المملكة من قِبَل المجلسين. ما نحن بصدده أن تصدر عن الأجهزة المعنية الآليات والترتيبات، إذ لا بد أن يَصدر نظام يُجيز اقتطاع الرسم ويحدد مقداره، وذلك بناءً على المادة العشرين من النظام الأساسي للحكم التي تقول "لا تفرض الضرائب والرسوم إلاَّ عند الحاجة، وعلى أساس من العدل، ولا يجوز فرضها، أو تعديلها، أو إلغاؤها، أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام." وواضح، من الناحية المباشرة، أن فرض رسوم على الأراضي البيضاء يعني موردا إضافيا للخزانة العامة للدولة عبر تنمية الإيرادات غير النفطية. ووفقاً للمصادر الرسمية فقد بلغ اجمالي إيرادات الخزانة السعودية للعام 2014 (1046) مليار ريال، منها 89 بالمائة إيرادات نفطية. وبالتالي فإن الإيرادات غير النفطية بلغت 115 مليار ريال لذات العام (2014)، أي في حدود 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وتنمية الإيرادات لن يتحقق فقط من خلال فرض رسم على الأراضي، بل لا بد من توظيف كل الفرص الاقتصادية المتاحة أخذا في الاعتبار النمو الاقتصادي يجب أن ينعكس إيجاباً على الخزانة العامة للدولة، ولا سيما في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، حيث تخضع هذه لنظام ضريبة الدخل، الذي يبلغ اقتطاعها السنوي 20 بالمائة. والنقطة هنا، أن الاقتصاد الوطني يولد العديد من الفرص الاقتصادية بمختلف الأنشطة والقطاعات والأحجام، وأن ما سيؤثر في تحويلها لمكتسبات لاقتصادنا الوطني وإيراد للخزانة العامة، أن تُستغل تلك الفرص، فإن ضاعت فلن يستفيد أحدٌ منها؛ فلا هي تولد صادرات أو تحل محل الواردات، ولا تولد فرص عمل للمواطنين، ولا نمواً للاقتصاد، ومن ثمة فلا إيراد للخزانة العامة، وبذلك يخسر الجميع. وبالمقابل، فأساسي بذل الأجهزة المعنية غاية الجهد لتحسين مناخ الاستثمار وإزالة المعوقات أمام المستثمرين المحليين والأجانب لاستقطاب الاستثمارات القيمة اقتصادياً، بل لا بد أن يوضع لها أهداف كمية ونوعية عليها استهدافها ومتابعة تحقيقها. وحتى نحقق ذلك؛ علينا أن نعدل من نظرتنا لاقتصادنا من أنه اقتصاد نفطي، وأنه هبة للنفط، إلى أنه اقتصاد يقوم على جهد وحذق وريادة المواطن السعودي، وعلى متانة معطيات الاقتصاد وتنافسيتها، وعلى جودة وتنافسية بيئة الاستثمار مقارنة ببقية البلدان. قد يعتقد البعض أن ذلك صعب، لكننا عشنا في هذه المنطقة طوال قرون كاقتصاد يعتمد على معطياته، والنفط نسبياً زائر مكث معنا عدة عقود ولن يبقى أكثر مما أمضى، بمعنى ألا فكاك من البحث عن حل غير نفطي، أي لا بد من حل مستدام يقوم على الإنتاج وليس الريع. بوسعنا جعل رسوم الأراضي البيضاء تمثل بداية تغيير مفصلي لتعاطينا مع اقتصادنا الوطني ونظرتنا إليه، بأن علينا بناء اقتصاد منافس يقوم على جهود مواطنيه وإنتاجيتهم وريادتهم وإبداعاتهم، هذه –بتوفيق الله- هي الطريقة لاستدامة نمو الاقتصاد السعودي، ولنحدث الطفرة الاقتصادية القائمة على تنافسيتنا، وليس على صعود أسعار النفط. هذه ليست دعوة مثالية، بل ضرورية وغير قابلة للتأجيل، فخلال العقود الستة الماضية أذاقتنا إيرادات النفط شهداً، أحياناً ينهمر فنقرض وأخرى ينحسر فنستدين. لا بد من مخرج ولا خيار أن يكون -إن عاجلاً أم أجلاً- لفراق بيننا وبينه، الأفضل أن نبادر نحن لذاك الفراق القادم لا محالة، ليكون بيدنا لا بيد النفط.