في الآونة الأخيرة أدرج الناس إلى منظومة اللهجة المحكية مصطلحات عديدة لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال، وليس من الموضوعية في شيء المرور عليها مرورا عابرا دون تأملٍ ومساءلة ونقاش، انطلاقا من قوة حضورها، وجريانها على ألسنة الناس بصورة لافتة، فمصطلح «التسليك» ومصطلح «مع نفسك» ومصطلح «كووول»، ومصطلح «تصريف» وعبارة «تعرف عايض» وعبارة «شباب في رحلة»، ولا ننسى مصطلحات «هجولة» و«هلا بالعيال» و«نص الجبهة» و«هيا تعال» وغيرها كثير من المصطلحات الجديدة، التي يندرج في اطارها بعض الكلمات الإنجليزية التي تواضعت فئة الشباب في مجتمعنا ضمنيا على نطقها بطريقة معينة، أكسبتها كلا من أشكال الترجمة غير الاعتيادية، وأعطتها بعدا تداوليا صاخبا. هذه المصطلحات الجديدة، أشبه ما تكون بلغة موازية للغة الأصل، ابتكرها الشباب ودشنوا مصطلحاتها، وفضلا عن قوة جريانها على ألسنتهم، وظفوها وفق دلالات حساسة، فقولهم «في نص الجبهة» يعني إفحاما ما بعده إفحام، وحجة ما بعدها حجة، وإحراجا لا يضاهيه أي إحراج للشخص الند، وهو ما يُعرف في الدراسات العلمية الخاصة باللغة والأدب حِجاجا، أو صورة من صور الحِجاج، إلا أن لغة الشباب الجديدة اختزلت ذلك السجال بين طرفين بعبارة أو كلمة تقضي بفوز أحدهما على الآخر، بل وقوة تغلبه عليه بمجرد أن نقول: «في نص الجبهة». سأترك هذا كله لمقالات أخرى وسأركز على كلمة «الطقطقة» بما لها من أبعاد ثقافية واجتماعية لا يجب أن يستهان بها، خاصة بعد أن ربطتها الجماهير الرياضية السعودية بقضية التعصب الرياضي وبلاويه، و«الطقطقة» في عرف الرياضيين هي توجه جمهور فريق نادٍ بعينه إلى النادي الخصم بغرض استحداث وابتكار كل الأساليب الساخرة منه، بغرض جعله أضحوكة أمام الأندية الأخرى، ودمية أمام الجماهير الرياضية، وهذا يشمل النكت اللفظية، والكاريكاتورية، ولقطات الفيديو، وكل أساليب التعبير الممكنة، وهو نوع من أنواع السخرية المؤلمة لمن تتم السخرية منه، ونقول مؤلمة كونه يقوم بتضخيم عيوب الخصم حدّ جعلها لافتة للنظر وقادرة على تقزيمه أمام الآخرين. الشيء الخطير الذي نجنيه من هذا الضحك المجاني، البالغ حد الوقاحة في أحايين كثيرة هو قدرته الفائقة على تغذية التعصب الرياضي، ومده بكم هائل من إمكانيات التنافر والكره والتوتر، فكونك تضحك وتبتسم على ما يفعله الطرفان ببعضهما البعض لا يعني أن الأمر بريء، أو أنها لا تعدو أكثر من تزجية فراغات وتسالٍ، على العكس من ذلك تماما، باتت «الطقطقة» زيادة في تكريس التعصب وتفريخ أشكاله، خذ على سبيل المثال النموذج التنافسي بين فريقي الهلال والنصر، ولك أن تتبع ما يجري بينهما من مماحكات فارغة وضعت تحت مصطلح «الطقطقة»، لكنها أنبتت لنا جيلا من المتعصبين، طال طلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وبات تهديدا متربصا بجيل المستقبل كله، فعن أي فكاهة نتحدث، وعن أي سجال نتكلم!!! من وجهة نظري الخاصة، يمكننا أن نعد «الطقطقة» أبرز تجليات التعصب الرياضي، وهذا طبيعي طالما اتفقنا على أن التعصب الرياضي «تطرف الآراء لصالح نادٍ رياضي ضد نادٍ آخر من نفس الدولة أو المنطقة، وبالتالي فإن هذا التطرف قائم على الاستهزاء والسخرية والاتهامات والشماتة، وكل صور الإساءة والتجريح»، فهل من سبيل عاجل للحد من فن «الطقطقة» في شارعنا الرياضي للحد من طوفان التعصب الرياضي وتمدده!!!