منطقة «القرن الأفريقي» حسب التعريف الجغرافي- السياسي هي: المنطقة المُطلة والمجاورة لرأس مضيق باب المندب من جهة الساحل الأفريقي، وتتكون من إرتيريا، جيبوتي، الصومال، ويضاف لها إثيوبيا، وتعتبر منطقة إستراتيجية بالنسبة لقارتي آسيا وأفريقيا، حيث يمكن القول إن هذه الدول تتحكم في أحد أهم طرق التجارة العالمية، وخاصة بعد شق قناة السويس في العام 1869م، فمضيق باب المندب والذي يصل عرضه ل32 كيلومترًا، هو رابع أهمّ نقطة عبور بحرية عالمية، أعظمها تتمثل في تجارة النفط القادمة من دول الخليج. كما أن منطقة القرن الأفريقي تُعد ممرا مهما لأية تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولاياتالمتحدة في اتجاه الخليج العربي ومنه، ولا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على الأهمية الإستراتيجية والعسكرية بل ولوجود الموارد الطبيعية والزراعية والحيوانية. مرت العلاقات السعودية مع دول القرن الأفريقي سياسياً واقتصاديا بفترات مزدهرة قبل العام 1991 حيث تزامن انهيار نظام الرئيس محمد سياد بري بعد تمرد قبلي مسلح مدعوم من إثيوبيا، مع انشغال المملكة ودول الخليج بحرب تحرير الكويت وما تلاها من تقوقع إقليمي ثم انشغال بالشأن الداخلي، كما أن انفجار الأوضاع السياسية والعسكرية بعد سقوط نظام «منجستو هايله مريم» في إثيوبيا في نهاية شهر مايو 1991 وبداية الحرب بين إثيوبيا وإرتيريا حتى إعلان استقلال إرتيريا في مايو العام 1993، كما ساهم عدم الاستقرار في تلك المنطقة «القرن الأفريقي» وحدوث اضطرابات في جيبوتي إلى عدم توافر الظروف الملائمة والمثالية للتعاون السياسي والاقتصادي في هذه المنطقة الإستراتيجية، وزاد الأمر سوءاً زيادة أعمال القرصنة البحرية على سواحل القرن الأفريقي وعدم الاستقرار السياسي المُزمن في الصومال. إحدى الحقائق أن «عاصفة الحزم» والوضع المتأزم في اليمن أعادا اكتشاف الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، حيث إن الإنزال البحري السعودي- الإماراتي في عدن ما كان ليتم لولا التنسيق المباشر مع جيبوتي، ولذا جاءت زيارة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله لتمثل أول زيارة رسمية لرئيس جيبوتي للمملكة ويتوقع أن تمثل منعطفاً جديداً في تاريخ العلاقات الثنائية وسط حديث عن مباحثات ثنائية تتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي، وتلا هذه الزيارة قيام رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام دسالني بزيارة الرياض حيث تتميز العلاقات السعودية الإثيوبية بخصوصية التعاون الاقتصادي الاستثماري خاصة في المجال الزراعي، ولحظة إرسال المقال للنشر يقوم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة للمملكة. خلال فترة الغياب السعودي استغلت جهات ودول إقليمية ومنها إسرائيل وإيران ثم تركيا الفرصة لتعزيز وجودها السياسي والعسكري والثقافي لتنضم لقائمة دول سبقتها حيث تستضيف جيبوتي أكبر قاعدتين عسكريتين فرنسية وأمريكية في أفريقيا، بالإضافة لتواجد القوّات الإسبانية والألمانية والإيطالية. كما أنّ اليابان افتتحت في جيبوتي في عام 2011 أوّل قواعدها العسكرية الدائمة في الخارج منذ العام 1945. تلاه قيام الصين بالاهتمام بمضيق باب المندب حيث توصلت الحكومتان الجيبوتية والصينية في فبراير 2014 لاتفاق يسمح باستخدام الميناء من قبل البحرية الصينية. الوضع المستقبلي في اليمن وتوافر ظروف ذاتية وموضوعية ومنها تحسن الوضع الأمني في الصومال يُشير لبدء مرحلة جديدة من العلاقات السياسية والعسكرية مع دول «القرن الأفريقي» وهذا قد يتم تعزيزه بعلاقات اقتصادية تقوم على منهجية جديدة تعتمد على الاستثمار الاقتصادي وليس تقديم الدعم المالي المباشر، وينتظر الكثير من الرياض لاتخاذ العديد من الخطوات لإعادة ميزان القوة الإقليمية للتوازن والتضييق على الوجود الإيراني تحديداً.