لا أبالغ أبدا اذا قلت ان ما تحدث عنه رئيس هيئة السوق المالية، الأستاذ محمد الجدعان، عن استراتيجية الهيئة خلال الأعوام الثلاثة القادمة، لرفع نسبة اكتتاب المؤسسات الى 90%، ومن نسبة ال90% المتعلقة باكتتاب المؤسسات تخصيص 90% منها لصناديق الاستثمار المفتوحة يعتبر من اهم الإصلاحات الهيكلية التي تشهدها سوقنا المالية منذ تأسيسها. ليس لأن هذا القرار سيكبح جماح المضاربات المحمومة على اسهم الاكتتابات، والتي تؤدي لتوزيع (سلبي) لأموال المستثمرين فقط، بل لأنه يساهم ايضا في تطبيق وتعميق مفهوم الاستثمار المؤسسي الذي يساهم مع (غيره من العوامل) في ارتقاء سوقنا المالية الى مستويات الأسواق الكفؤة في سلوكها وتحركاتها. الصناديق أقدر على تحديد المستويات السعرية المجدية للشراء والبيع على حد سواء، من خلال القائمين عليها والمؤهلين علميا لمثل هذا العمل. هذا القرار سيحد من التضاعف السعري غير المبرر لأسهم الاكتتاب عند الادراج (في بعض الأحيان 6 اضعاف)، والذي ينتج عن المضاربات المحمومة مع قلة الأسهم المعروضة للبيع نتاج توزيعها بنسب قليلة جدا (عشرة اسهم لكل مستثمر) على عدد كبير من المستثمرين (يصل الى عدة مئات من الآلاف المكتتبين). ويلاحظ عودة الأسعار بعد عدة اشهر الى مستوياتها العادلة وفق تقييم السوق، وغالبا ما تكون الأسعار النهائية قريبة من سعر الطرح. ورفع نسبة الطرح للصناديق الاستثمارية يحل هذا الإشكال، ومتى وصلت الارتفاعات السعرية لمستويات غير مقبولة ستجني الصناديق ارباحها فوريا، بما يعود بالنفع على المساهمين بها.. والصناديق الاستثمارية يقوم عليها متخصصون علميا وذوو خبرة في الاستثمار، يساندهم فريق بحثي مؤهل، ويشرف عليهم جميعا الإدارات العليا في المؤسسات المالية التي تتبع لها الصناديق، وكلهم تحت المراقبة والمتابعة الدقيقة لهيئة السوق المالية، بما تملكه من أدوات فعالة للرقابة والمتابعة والإشراف. وضع جدول زمني يمتد لثلاث سنوات ايجابي ومحمود هو الآخر.. فثلاث سنوات كفيلة برفع مستوى الوعي بجدوى الاستثمار في الصناديق عن طريق الحملات الإعلامية التوعوية، والتي تهدف الى شرح فوائد الاستثمار في الاكتتابات عن طريق الصناديق الاستثمارية.. فالتدريج في التطبيق حكمة، وواقع سلوك المستثمرين يحتاج الى فتره زمنية حتى يتغير.. ونجاح التجربة الأولى سيسرع في تبني المستثمرين للاستثمار المؤسساتي عن طريق الصناديق.. ونجاح ما أعلن عنه رئيس السوق المالية الأستاذ محمد الجدعان سيكون عاملا مهما في تدفق أموال المستثمرين الى الصناديق الاستثمارية المصرح لها، وهذا سيغير معادلة الأموال التي تدور في سوقنا المالية، لتكون كفة الصناديق أرجح من كفة المستثمرين الأفراد.. وهذا متى تحقق سيعني مزيدا من الكفاءة في سلوك سوقنا، ويخفض المضاربات السلبية الى مستوياتها الدنيا، لتكون التحركات السعرية للأسهم مبنية على اداء الشركات، وملاءتها المالية، وكفاءتها الإدارية، ومستوى تبنيها للحوكمة، وغيرها من المعايير المهمة اسوة بأسواق المال المتقدمة والكفؤة في العالم، وهذا لا شك سيعمق استقرار السوق، وسيحد من تذبذباته غير المبررة، والتي يصعب ايجاد تفسير منطقي وعلمي لها. الإعلان عن نية هيئة سوق المال رفع نسبة الاكتتابات للصناديق الاستثمارية المفتوحة خطوة موفقة ومهمة، وستساهم في تعميق دور الصناديق الاستثمارية المؤهلة، كما وستساهم في تدفق الأموال الاستثمارية في الصناديق، وهذا سيؤدي الى تغيير جذري في سلوك السوق المالية (متى نجحت التجربة)، لتكون تحركاتها (صعودا و نزولا) مبنية على اسس علمية وأساسية، ويمكن تبريرها وفهمها.. كما سيحد من المضاربات المحمومة التي متى اشتعلت قضت على الأخضر واليابس وبلا رحمة.. فالهدف من وجود الأسواق المالية توظيف الفوائض فيما هو مجد ويحقق العوائد، وليس توظيف الفوائض في العبث.. فالمال أمانة وتوظيفه مسؤولية، وسوقنا المالية ينبغي لها ان تكون في مصاف الأسواق المتقدمة.