قد يولد الخير أحياناً من رحِم الشر.. وقد تعصف بنا رياح عاتية ونتعثّر.. بل قد نقع تحت وطأة ظروفٍ ما أمواتا على قيد الحياة وبقشورها نتدثّر.. نحلم بلذة السبات فيصيبنا الشتات.. نطمح في جمع الرفات فنحصد الذكريات.. وإن تعمّقنا أكثر في بقية التفاصيل فسنصل إلى منتهى الحديث الذي لا يؤمن به إلا قِلةٌ منا, وهو أن الشدائد ضيوف تكرر زياراتها لنا بين الفينة والأخرى وتُكثر الزِحام بين مجريات الحياة؛ أفلا نكون كرماء ونُحسِن ضيافتها لتُحسِن هي توديعنا بقبلة فرح وعناقٍ حار, تُمطر علينا عِقبَهُ سماؤنا ببشائر الخير, وبيسرين تخلف عسرا أو عسرين أو ثلاثة فوعود الله الربانية لن تخيب, وينبغي أن نكون ممتنين لله عز وجل على عظيم نعمه لا مُجحفين بها حينما تحل بنا نائبة من نوائب الدهر. الحياة مجازفة لن تأتيك أحلامك على طبقٍ من ذهب وأنت ما زلت رابضا في كهفك لم تتقن من المهارات سوى فن التباكي على اللبن المسكوب والزمن الماضي المشؤوم؛ عندما نحاول جاهدين إغماض أعيننا وإعماء بصائرنا عن ذلك السواد ونعمد إلى اكتشاف نقطة بيضاء واحدة على الأقل في صفحات كتيب حياتنا, فنحن لسنا زاهدين في أحلامنا, لكننا مفعمون بكنز القناعة؛ مما أثار دهشتي في سير قصص العظماء تلك المصاعب الجمة التي واجهتهم والتي كادت تخفي ذكرهم وتمحو أثرهم ولكنهم اعتبروها فرصاً متنكرة وأحسنوا استغلالها, ربما لم ينم أحدهم ملء عينيه.. ولم يضحك ملء شدقيه.. لأنهم عرفوا حق المعرفة أن قطرات الماء المتتابعة تحفر أخدوداً في الصخر الأصم؛ طوبى لراكبي الشدائد فهي بالفعل مصنع العظماء وذلك فقط لمن أدرك الرسالة الكونية التي يبعثها الله له في تلك الشدة والبلية وسخّرها لصقل مواهبه وللارتقاء بذاته كي يمضي قُدماً في نيل مجده, كما قد أجمع عقلاء كل أمة بأن النعيم لا يدرك بالنعيم وأنه بحسب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة؛ فنجاحك غدا سيكون بقدر جلادة صبرك اليوم ونجوميتك أيضاً ستكون بحجم سعيك ومثابرتك, فلا تلتفت إلى الثراء الفاحش فوراً وتطمح في الوصول إليه مباشرة إلا بعد تخطيك لعدة عقبات تؤهلك لأن تكون بارعا وماهرا في إدارته وبعد أن تصبح متحكما جيداً في انفعالاتك أحياناً وربما متبلداً أحياناً أخرى, إلى حين صدور إشعارٍ آخر يخبرك بأنك ما زلت قادرا على مقاومة عواصف الحياة لتلتقي بعد ذلك كله بنسائمها التي ستثلج صدرك وستأخذك إلى عوالمك الاستثنائية.