يمكن القول بثقة مطلقة أن مبادرات عملية السلام في الشرق الأوسط في ظل الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى الشريف ومحاولة اجهاض الحقوق الفلسطينية المشروعة وتكريس الاحتلال أضحت في مهب الريح. وتحولت الأحاديث عن السلام الى شعارات مرفوعة للاستهلاك الاعلامي وازجاء الوقت. فمصادرة الحقوق الفلسطينية سوف تؤدي الى تصاعد الغضب الشعبي العارم. وستظل الأزمة قائمة طالما بقي الاحتلال قائما. مواجهة انتفاضة الفلسطينيين الغاضبين بالرصاص الحي والمطاطي والغازات المسيلة للدموع وغيرها من الأسلحة لن تجدي نفعا لاخماد موجات الغضب المتصاعدة. وقد جربت اسرائيل من قبل مجابهة تلك الموجات بمزيد من القمع والتعسف والاعتداءات على مقدسات المسلمين غير أن ذلك لم يمثل حلا لاسكات ثورة المنتفضين وغضبهم ولم يفت في عضدهم أو يحول دون استمراريتهم في التصدي لتلك التجاوزات وتحديها. لقد استشهد من استشهد في المواجهات الدامية مع العدوان الاسرائيلي وجرح من جرح غير أن الغضب المحتدم لا يزال ساريا بين صفوف الفلسطينيين بالسكاكين والحجارة. وما اتخذته اسرائيل من اجراءات قمعية لمواجهة ما تسميه ب «الارهاب» كالاعتقالات والتجسس الإلكتروني وإطلاق يد المستوطنين لاجهاض غضب الفلسطينيين واستدعاء قوات الاحتياط الاسرائيلية المسماة بحرس الحدود. تلك الاجراءات كلها لن تحول دون تصاعد الغضب الذي وصل الى ذروته خلال الأيام القليلة الماضية، ويبدو أنه لن يتوقف في ظل ما تمارسه اسرائيل من عمليات قمعية تصادر من خلالها حرية أبناء فلسطين وحقهم في الحياة الكريمة. فمعالجة الأسباب الأصيلة للعنف القائم هو السبيل الأمثل لسريان الأمن في فلسطينالمحتلة. ولن يتحقق ذلك الا بانهاء الاحتلال الاسرائيلي الغاشم. الجرائم الاسرائيلية المتلاحقة ضد الشعب الفلسطيني هي التي تدمر الحل السلمي في المنطقة والقائم على حل الدولتين. فتلك الجرائم المتكررة على مقدسات المسلمين وعلى الحقوق المشروعة للفلسطينيين تعتبر انتهاكا واضحا للقوانين والمواثيق والقرارات الدولية. كما أنها تهدد بتحويل الصراع السياسي القابل للحل الى حرب دينية لا يمكن التكهن بنهايتها. ولعل من المؤسف أن يقف المجتمع الدولي متفرجا على ما يدور في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة من انتهاكات صارخة تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين ومقدساتهم. فصمت الدول الكبرى وعدم إقدامها على ممارسة الضغوط المناسبة على إسرائيل لإلزامها بوقف عدوانها العسكري على الفلسطينيين وردع عصابات المستوطنين عن انتهاك الحقوق الفلسطينية والمساس بالمقدسات هو السبب الرئيسي لتصاعد العنف وسريانه. ولا شك أن المجتمع الدولي مطالب اليوم باتخاذ قرارات حاسمة من شأنها انهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة الخالية من المستوطنات والمستوطنين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. وبدون ذلك فان الغضب الفلسطيني سيظل ساريا. وسيبقى العنف متصاعدا. فكل الاجراءات القمعية التي تمارسها اسرائيل لوقف موجات الغضب لن تؤدي الى استقرار الأوضاع في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. لن يتوقف العنف الا بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة واقامة دولة فلسطين على أراض لا تزال محتلة وما زالت تغلي كالمرجل تحت أقدام المحتلين والمستوطنين الساعين لانتهاك الحقوق والحريات والمقدسات.