يواصل المسؤولون في البنوك المركزية وعودهم بأن التضخم في الطريق. وقد قدموا عدة وعود من هذا القبيل في الماضي. محافظو البنوك المركزية يفشلون في تلبية معاييرهم الخاصة للتضخم. مع تراجع النمو والتجارة في كثير من بلدان العالم، يعتبر التضخم أقل مما كانوا يريدون أن يكون في أكبر الاقتصادات: الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابانوالصين. مع ذلك، عندما اجتمع محافظو البنوك المركزية لندوة السياسة الاقتصادية جاكسون هول في وايومنج في أواخر شهر أغسطس، كان الحديث هو أن التضخم أخيرا أخذ بالارتفاع فعلا، وحقا، على الرغم من الاضطراب الاقتصادي والجَيَشان في الأسواق السوقي كان يجري على ارتفاعات أقل. وقال نائب رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي ستانلي فيشر في تصريحاته المعدة سلفا: "هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن التضخم سوف يتحرك للأعلى في الوقت الذي تتبدد فيه القوى التي تبقي التضخم باستمرار بالأدنى". واستشهد محافظ بنك إنجلترا مارك كارني بتصريحات معدة سلفا: "احتمال الزخم المتواصل" في الاقتصاد وانتعاش تدريجي في الضغوط التضخمية. وقال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي فيتور كونستانسيو إنه طالما أن أوروبا تنجح في حث النمو، "يمكننا الاعتماد على أثر مادي للمساعدة في تحقيق معدل تضخم أقرب إلى الهدف". وتحدث محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا في مدينة نيويورك يوم 28 أغسطس، مصرا على أن اليابان تستطيع تحقيق التضخم المستهدف بنسبة 2% في العام المقبل، على الرغم من أن القراءة الأخيرة لقياسه المفضل للتضخم كانت على وجه التحديد صفرا. في الولاياتالمتحدة، تركت اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة الباب مفتوحا أمام إمكانية رفع سعر الفائدة الرسمي في اجتماعها المقبل في 16-17 سبتمبر، على الرغم من أن معدل التضخم كان دون المستوى المستهدف الاحتياطي الفيدرالي منذ أبريل 2012. وكما هو مبين في تسعير العقود الآجلة، انخفض احتمال الزيادة في سبتمبر في أسعار الفائدة الرسمية ما يصل إلى 24% في 26 أغسطس بعد تقلبات السوق العالمية. اعتبارا من 2 سبتمبر، كانت سوق العقود الآجلة تضع احتمالا بنسبة 30% على رفع أسعار الفائدة في سبتمبر. محافظو البنوك المركزية عموما يريدون قليلا من التضخم – 2% هو هدف نموذجي - لأنه يشحم تروس التجارة. إنه علامة على أن الطلب قوي بما يكفي لوضع ضغوط تصاعدية على الأسعار. عندما ترتفع الأسعار، من الممكن تحديد أسعار الفائدة عند مستويات أقل من معدل التضخم، وهو ما يحفز الاقتراض. ويمكن للشركات المتعثرة توفير المال مع تجنب تسريح العمال عن طريق إعطاء العمال زيادات في الأجور بأقل من معدل التضخم. ولا يوجد احتمال لحدوث أي من التكتيكين في عالم التضخم الصفري. لكن النمو المتراجع يقلل من احتمال أن محافظي البنوك المركزية سوف يحصلون على ما يسعون إليه. انخفض مؤشر المصانع الرسمي في الصين في أغسطس إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات. تراجع الإنتاج الصناعي في اليابان في يوليو، كما أعلنت الحكومة. في الولاياتالمتحدة، والتي اندفع اقتصادها بشكل أفضل من معظم البلدان الأخرى، توسعت الصناعات التحويلية في أغسطس بأبطأ وتيرة لها منذ مايو 2013. في جاكسون هول، وجه الأكاديميون ضربة إلى ثقة البنوك المركزية في قدرتها على التنبؤ وإدارة التضخم من خلال إشارتهم إلى وجود ثغرات كبيرة في المعرفة حول كيفية عمل التضخم. وقالت سيمون جيلكريست من جامعة بوسطن إن استهداف معدل تضخم صارم لا يولي اهتماما كافيا للصدمات المالية، التي يمكن أن تعطل الإنتاج الاقتصادي. وقال أثاناسيوس أورفانيدس، الأستاذ في كلية سلون لإدارة الأعمال في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا، وعضو سابق في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، إن محاولة التأثير على التضخم دون فهمه هو "وصفة لكارثة". رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي تفادى حضور مؤتمر جاكسون هول، لكن لا يمكنه تفادي هذه الحقيقة: بعد مرور أقل من ستة أشهر على بدء برنامج التحفيز الذي وعد فيه بإحياء التضخم، تواجه منطقة اليورو من جديد ضغوطا انكماشية. توقع البنك المركزي الأوروبي في يونيو حزيران أن ارتفاع الأسعار سيبلغ في المتوسط 1.5% العام المقبل و 1.8% في عام 2017، شريطة تطبيق التحفيز بشكل كامل. هدف البنك المركزي الأوروبي هو أن يكون التضخم أقل ولكن قريبا من 2%. قد يكون من الصعب تحقيق ذلك، نظرا للنمو العالمي الأبطأ. كتب فيليب جودن، كبير الاقتصاديين لمنطقة أوروبا في بنك باركليز في باريس، في مذكرة يوم 28 أغسطس للعملاء، يقول فيها إن البنك يتوقع من البنك المركزي الأوروبي أن يقوم بالمزيد من شراء السندات قبل نهاية العام على رأس برنامجه الحالي الذي تبلغ قيمته 1.1 تريليون يورو (1.2 تريليون دولار). كورودا، رئيس البنك المركزي الياباني، هو أيضا يتعرض لضغوط لبذل المزيد من الجهد، بغض النظر عن الاطمئنان بأن السياسة النقدية تسير على الطريق الصحيح. وقال أحد الاقتصاديين في استطلاع أجرته مؤخرا وكالة بلومبيرج: إن التضخم قد يصل إلى هدف بنك اليابان في الموعد المحدد. وأجري هذا المسح قبل تدهور سوق الأوراق المالية في الصين وارتفاع الين. ويقول جونكو نيشيوكا، كبير الاقتصاديين في مؤسسة سوميتومو ميتسوي المصرفية: "الانكماش هو مشكلة كبيرة بالنسبة لليابان". نارايانا كوتشرلاكوتا، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، قلق من أنه ليس بإمكان البنوك المركزية تقليل أسعار الفائدة أكثر من ذلك في حالة حدوث مزيد من انعدام التضخم، أو الانكماش الصريح. أسعار الفائدة في جميع البنوك المركزية الكبرى في العالم هي قريبة أو حتى تحت الصفر، وجنبا إلى جنب قد قامت بضخ تريليونات في أنظمتها المالية منذ بداية الأزمة المالية. وقال كوتشرلاكوتا في مقابلة في جاكسون: "إنني أنظر إلى اليابان، وأوروبا، والمملكة المتحدة، والكنديين، أنت فقط ترى المزيد والمزيد من البلدان الموجودة على مقربة من الحدود الدنيا للتضخم من الناحية العملية"، بمعنى أن هذه هي أدنى مسافة يمكن أن تصلها أسعار الفائدة. وأضاف: "هذا هو التحدي الذي تواجهه البنوك المركزية."