«نحن» ضمير يأتي في اللغة للجمع، ولكن هذا ال «نحن» في بعده الثقافي السياسي يعني جماعة لها خصائص مشتركه، تؤكد عليها دائما في حديثها وخطابها، وبالأخص حينما يكون الحديث مع الآخر، تتجلى تلك ال «نحن» في أعلى درجاتها، أي هي جماعة ذات هوية ثقافية سياسية جامعة، برغم وجود الهويات الخاصة، ولكنها لا تخرج من دائرة «الأنا» لتصطدم في هوية ال «نحن»، والسائل العربي حينما يطلق سؤاله، من نحن؟ هو يبحث عن ذات الخصائص المشتركة، أي يبحث عن الأنا الجامعة الممثلة في خطاب ثقافي سياسي جامع، يقود لما يسمى بعد ذلك المشروع الوطني. فهو يقلقه ضمير المفرد «أنا»، وبالتالي يقلقه التحزب الضيق لهذه الأنا، حتى وإن وجدته يرفع شعار الحزب الواحد، بلغة متطرفة ويبدو وكأنه معتد في هويته تلك ومحافظ عليها، ولكنه مع ذلك يعيش القلق. لماذا؟، لأن أطيافا من مجتمعه إما تصطدم معه في تلك الهوية، وبالتالي هو يراها عدوة له، أو هو يخشى ضعف هويته في مقابل صعود هويات أخرى منافسة له، أي هو يعيش حالة تنافس الهويات الخاصة وتضخمها، على حساب تشكل الهوية الجامعة، التي تنصهر بها لا أقول كل الهويات، ولكن هي بمقابل مركز الالتقاء الجامع لها، حينما تقترب منه تقل، إن لم تكن شبه تنعدم، كل الأزمات التي تأتي بها تضخم الهويات الخاصة لكل فرقة أو جماعة، لأن المركز هو من يحدد حركة كل هوية ومساحة عملها، وفق عقد اجتماعي سلمي، ارتضته تلك الهويات، بل هي تدافع عنه، لأنه بمثابة مشروع سلام يخلق التوازن ومن ثم يحافظ عليها جميعا، وهي نقيض بالمنطلق "لهوية المحاصصه"، التي قامت عليها بعض المجتمعات؛ لمعالجة أزمة الهوية الجامعة (نحن)، بل إن لم تكن المحاصصة ما هي إلا دعوة لشرعنة تضخم الهويات الخاصة على حساب الهوية الجامعة، أي هي تلتف عليها بدلا من معالجتها، لأنها ما جاءت إلا لاسترضاء تلك الهويات، لذلك هي مع الوقت تقلص مساحة الأمل في ولادة الهوية الجامعة، لأنها تزيدها عقدا بدل أن تفك عقدها السابقة. ولدينا مثالان واضحان اليوم في لبنان والعراق، كيف عززت فكرة المحاصصة، من الهويات الخاصة على حساب الدولة الواحدة، وقبلها الهوية الجامعة، وأوجدت العقدة تلوى الأخرى في الوصول إلى تلك الهوية، بل في كثير من الأحيان أوجدت الذريعة لتدخلات الخارج في هذه المجتمعات، مما جعل منها ساحة مفتوحة لأطماع الخارج وهيمنته، على حساب تلك الهويات في الغالب، أي على حساب الكل في نهاية المطاف. وهنا يأتي سؤال فارض نفسه، من هو المعني اليوم أي المؤهل، لبلورة أو صياغة النظرية لتلك الهوية الجامعة في المجتمعات في ظل تضخم الهوية الخاصة. التجربة التي خاضتها المجتمعات التي تخلصت من هيمنة الهويات الخاصة، على حساب الهوية الجامعة، تقول إن المثقف الذي يحمل الهم الوطني الواحد، والقريب من الجميع على مسافة واحدة، وقبل ذلك لديه النظرية والمشروع الوطني، الحامل للغة المشتركة الواحدة، والمركز على القواسم المشتركة العديدة لتلك لهويات، هو من استطاع، أن يساهم بالجانب الأكبر من خلال النظرية والمشروع الذي يحمله، وأن يجد قاعدة وطنية جديدة تنطلق منها تلك الهويات، دون أن تفقد خصوصيتها، إلا إنها في هذه المرة، بدلا من أن تنطلق من هوية خاصة مغلقة على نفسها، قلقة على مصيرها بسبب المحيط المترصد لها، تنطلق من هوية مشتركة، متفاعلة مع محيطها، بشكل شبه تلقائي لأن الربح المادي والمعنوي يطالها، كما يطال الجميع، فهي تحافظ على مكتسباتها، ومن ضمن هذه المكتسبات، السلم الذي تعيشه كهوية لها ما لها من حقوق وعليها ما عليها من واجبات. ولكن في هذه المرة ليس بسبب المحاصصة ولكن بسبب الهوية الجامعة التي تنطلق منها.