بسبب التردد في لعب دور التمويل الكامل في أحدث برنامج لإنقاذ اليونان، يخاطر صندوق النقد الدولي بإثارة استعداء كل من الحكومة اليونانية وشركائها الأوروبيين. لكن نهج المؤسسة ليس مبررا فقط، وإنما يمكن له إلى حد كبير أن يكون المفتاح الذي يؤدي إلى نجاح المهمة الصعبة المتمثلة في استعادة نمو اليونان والجدوى المالية داخل منطقة اليورو. صندوق النقد الدولي، على الرغم من استعداده للمشاركة في مفاوضات الدائنين مع اليونان، وأشار إلى رغبته (في الواقع، قدرته) على المشاركة في ترتيب التمويل الجديد الذي يعتمد على التقدم في بعض الأعمال المهمة غير المنجزة والتي طال أمدها. إنه يرغب في رؤية برنامج للاصلاح الاقتصادي المؤيد للنمو الشامل لليونان؛ والتقدم المحرز في تنفيذه؛ وضمانات لاحتياجات التمويل في البلاد. وتخفيف عبء الديون. صندوق النقد الدولي محق في الإصرار على هذه الشروط الأربعة. بدونها، فإن الاتفاق الأخير للإنقاذ قد يواجه نفس مصير الاتفاقين السابقين اللذين استطاعا كسب بعض الوقت لليونان وشركائها في منطقة اليورو ولكن بتكلفة عالية. عمليات الإنقاذ تلك لا تعكس الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الفاتر في البلاد ولا تخفف المشاق الكبيرة التي يتكبدها المواطنون الذين طالت معاناتهم في اليونان. على الرغم من أن اليونان وشركاءها الأوروبيين مرتاحون لأجزاء مختلفة من شروط صندوق النقد الدولي، إلا أنه لا يوجد أي طرف مرتاح لجميع الشروط، وعلى الرغم من أن جميع الأطراف تشعر بالقلق من أنه حين يكون صندوق النقد الدولي غير ملتزم تماما بالحل، فإن هذا يعتبر مشكلة ضخمة في برنامج الإنقاذ الثالث. دون صندوق النقد الدولي، فإن بعض الدائنين (مثل ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي والمؤسسات المالية الأوروبية الأخرى) سوف تواجه صعوبة في جعل قادتهم يقدمون كميات كبيرة من التمويل الجديد لليونان. وبدون صندوق النقد الدولي، فإن رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس قد يجد أنه من الصعب عليه حشد الوحدة الداخلية اللازمة لتنفيذ ناجح للإصلاحات الاقتصادية المحلية التي لا تحظى بشعبية، بما في ذلك تلك التي تعبر «الخطوط الحمراء» لحزبه. وهذه مخاطر يجدر بصندوق النقد الدولي أن يتحملها. في عمليتي الإنقاذ السابقتين، اضطر صندوق النقد الدولي بسبب الضغوط السياسية (ومعظمها من أوروبا، ولكن أيضا من الولاياتالمتحدة) إلى المشاركة في البرامج التي، بالإضافة إلى مواجهتها عيوبا في التصميم وشكوكا كبيرة من حيث إمكانية تنفيذها، كانت تنتهك شرطين من الشروط طويلة الأمد للصندوق: أولا «الضمانات المالية» التي تدعم التنفيذ المحلي بتمويل خارجي كاف؛ و «قابلية استدامة الديون» لضمان أن النمو لا يتعرض للأذى بسبب استمرار الديون المفرطة. في هذه العملية، خاطر صندوق النقد الدولي بمصداقيته وفعاليته في حين عرَّض التمويل المقدم من أعضائه إلى خطر إفلاس ضخم لليونان على الطريق. هذه المرة يصر صندوق النقد الدولي على الثوابت التحليلية والتشغيلية من أجل ترتيب جديد لليونان. وهو على حق في القيام بذلك، لأنه ليس فقط سلامة المؤسسة هي التي على المحك. موقفها الشجاع، بما في ذلك الشروط الأربعة التي يصر عليها الصندوق، تعتبر أمرا حاسما لنجاح هذا الإنقاذ الثالث المكلف. منذ ما يقرب من 14 عاما، كان صندوق النقد الدولي يتعرض للمضايقات في الإقراض مرة أخرى إلى الأرجنتين عندما كان واضحا للكثيرين أن أفضل مشاركة يمكن للصندوق تقديمها إلى الأرجنتين هي كسب بضعة أشهر لهذا البلد - وهي مخاوف انتهت بشكل مؤلم عندما، بعد ثلاثة أشهر فقط، أصبحت الأرجنتين معسرة وتهاوى اقتصادها. هذه المرة، صندوق النقد الدولي يسعى إلى الالتزام بالدروس القاسية المستفادة من ماضيه وتجنب الوقوع في خطأ آخر مكلف. في هذه العملية، يشير إلى واحدة من الطرق القليلة جدا التي يمكن من خلالها إنجاح عملية الإنقاذ الثالثة لليونان. يجدر بالآخرين أن يحذوا حذو صندوق النقد الدولي، خصوصا إذا أرادوا أن تتجنب اليونان الوقوع في مصير الأرجنتين.