ما بين النفاق والمجاملة خط رهيف رقيق فاصل يسهل تجاوزه في كثير من الأحيان، إما بقصد أو بدون قصد، والمجاملة لا بأس بها فهي ملح الحياة ولا ضرر منها على ألا تزيد عن معدلها الطبيعي والمحسوس والذي يشعر به صاحب المجاملة أولا وقبل غيره، فهو يدرك أنه إن زاد مقدار المجاملة أو رفع سقفها: حينها يدرك أنه وقع في شرك النفاق.. كلنا نجامل ولكن قليل من هم ينافقون ونحسبهم كذلك ونظن بهم الظن المحمود، وبعيدا عن التصنيفات أو التقسيمات للبشر فهذا ليس من شأن أحد كائنا من كان أن يعطي نفسه الحق في توزيع الناس وترتيبهم، فكل شخص يضع نفسه في الموقع الذي يليق به أو يلائمه وعلى الناس التعامل معه كما هم يرونه وله الحكم على نفسه وللناس حكمهم فهذا هو نسق الحياة. لست انا ملزما بتصنيفك لنفسك ولست انت ملزما بما أصنفك به. تجامل نفسك وبيتك وأهلك ومحِبُّيك ورؤساءك ومرؤوسيك والقاصي والداني والقريب والبعيد، والكل في هذا الكون يجامل بعضه بعضا لغاية ما، أو هو نوع من أنواع اللباقة واللياقة وحسن المسلك ودماثة الخلق، كل هذا من العمل المباح الذي تفرضه علينا الحياة بطبيعتها ودستورها، فبعض المجاملات بها نوع من المحبة والبراءة إن كانت نابعة وخالصة من القلب وتصدر من الإنسان عفوية بدون ترتيبات مسبقة لأنها لو أتت عكس ذلك لدخلت في شرك الكذب والتكاذب والغش والاحتيال والتصنع وكلها تصرفات أسوأ من بعضها، لذلك يلاحظ الشخص السوي أنه يجامل بسرعة وعفوية وبديهية وطبيعية مجردة ولا غير، لكن المنافق والنفاق والعياذ بالله تجد صاحبه محضرا لذلك قبل البدء بممارسة نفاقه بنوع من المجاملات لا تقف عند الحد الفاصل ومن ثم يزيد مقدار المجاملة ويرفع منسوبها حتى تفقد معناها وتدخل في دائرة النفاق وسيلاحظ المنافق له ذلك، إلا أولئك من تعودوا على التعايش مع النفاق!! وعليه فلن يستشعر خطرا أو يتحسس أن بالأمر شيئا، فهو تعود على كمية وافرة من المجاملات المخلوطة بأنواع النفاق ولن يستطيع التمييز أو التفريق بين ذلك وتلك. شيء مزعج وأمر مقزز أن ترى في بعض المجالس والمنتديات والاستراحات أن يكيل البعض المديح ذا اللون الأصفر والمجاملات التي تشم منها رائحة النفاق لشخص ما بوجوده أو عدمه. هنا تسأل أين المشكلة أهي في الشخص الذي يتلذذ ويعشق المجاملات التي تصل إلى النفاق أو أنه يعلم ذلك جيدا ولا يستسيغها!! ولكن عادة وصفة يتبعها البعض ولا يستطيع تغييرها فيقبلها على مضض أو المشكلة في المنافق نفسه الذي إما أن يكون جاهلا أو متزلفا ولم يجد من ينصحه أو يردعه عن ذلك الفعل القبيح، أو أن المشكلة تكمن في المجتمع الذي يمرر ولا يستنكر هذا العمل المشين بدعوى أنها عادة موروثة أو أسلوب متعود عليه أو أن الأمر كله لا يستحق النظر فيه والتفكير به! لكن ما يقلقنا ويزعجنا أن المجتمعات غير العربية لا يلاحظ بها ذلك وانها إن وجدت فهي تمارس في أقل الحدود ونجزم أنها معدومة لديهم. والمغزى هنا من موضوعنا هذا هو الحرص على تنشئة الجيل وحثه على تجنب المجاملات التي توصلهم للنفاق أو التعود عليه، لأن حاضر الأمم ومستقبلها يختلف عن سابقها حيث كانت المجاملة توصلهم لشيء ما ونفاقهم قد يعطيهم ما لا يستحقون، ولأن عصرنا هذا والقادم لن ينفع أحدا إلا فكره وعمله وساعده، فإن استطعت أن تنجح بفعل ذلك فأنت الرابح وإن فشلت واعتمدت على أسلوب المجاملة وممارسة النفاق فلن تغنيك هذه الطريقة ولن تنفعك بشيء وستجد نفسك تائها في ظل تلاطم أمواج وبحار ومحيطات العصر الحديث الذي لا ينفع فيه إلا الاعتماد على النفس بعد الله. استشاري إدارة تشغيل المستشفيات وبرامج الرعاية الصحية